للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رسم المصحف]

ورسم المصحف توقيفيّ لا تجوز مخالفته. والدليل على ذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان له كتّاب يكتبون الوحي. وقد كتبوا القرآن فعلا بهذا الرّسم وأقرّهم الرسول على كتابتهم.

وأول من كتب الوحي للرسول صلّى الله عليه وسلّم بمكة من قريش هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ثم ارتدّ ثم عاد إلى الإسلام يوم الفتح؛ وممن كتب له في الجملة الخلفاء الأربعة، والزبير بن العوام، وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص بن أمية، وحنظلة بن الرّبيع الأسدي، ومعيقيب بن أبي فاطمة وعبد الله بن الأرقم الأزهري وشرحبيل بن حسنة وعبد الله بن رواحة. وكان ألزم الصحابة لكتابة الوحي زيد بن ثابت الأنصاري، وقبله أبي بن كعب وهو أول من كتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوحي بالمدينة، ولكن زيد لكثرة تعاطيه الكتابة أطلق عليه (الكاتب) بلام العهد؛ ولكنه ربما غاب فكتب غيره. وكان لكتّاب الوحي منزلة وشرف، لهذا أراد أبو سفيان أن ينال من هذا الشرف لابنه معاوية، فطلب من الرسول سيدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم أن يجعل ابنه معاوية كاتبا للوحي وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يردّ من طلب حاجة منه؛ فأجابه. حتى كان للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم كتّاب متخصّصون، ومنقطعون للكتابة له، بلغوا أكثر من أربعين كاتبا (١).

ومضى عهده صلّى الله عليه وسلّم والقرآن على هذه الكتبة لم يحدث فيه تغيير ولا تبديل، مع أن الصحابة قد كتبوا القرآن، ولم يرو عن أحد أنه خالف هذه الكتبة، إلى أن جاء عثمان في خلافته فاستنسخ الصحف المحفوظة عند حفصة أمّ المؤمنين في مصاحف على تلك الكتبة، وأمر أن يحرق ما عداها من المصاحف.

وأيضا فإنما ورد في رسم القرآن من رسم غير رسم الكتابة العربية التي لغيره والعدول عن تلك الكتبة لا تظهر فيها أيّة علّة لهذا العدول سوى أن كتابتها توقيفية وليست اصطلاحا. ولذلك لا يقال لماذا كتبت كلمة [الربا] في القرآن بالواو والألف [الربوا] ولم تكتب بالياء أو الألف. ولا يقال ما هو سبب زيادة الألف في [مائة]


(١) ينظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري: ج ٩ ص ٢٧:شرح الحديث (٤٩٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>