للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} (٦٩)؛أي ما لبث إبراهيم أن جاء بعجل محنوذ؛ أي مشويّ، قال ابن عبّاس: (الحنيذ: النّضيج) (١) وهو قول مجاهد وقتادة (٢)،والحنذ: إشواء اللّحم بالحجارة المحمّاة في شوء من الأرض، وهو من فعل البادية، وقال مقاتل: (إنّما جاءهم بعجل لأنّه كان أكثر ماله البقر) (٣).

وقال الحسن: (إنّما جاءهم بالطّعام لأنّهم جاءوه على صورة الآدميّين، على هيئة الأضياف، ولم يكن شيء أحبّ إليه من الضّيفان، ولو جاءوه على صورة الملائكة لم يكن يقدّم إليهم ذلك لعلمه باستغناء الملائكة عن الطّعام).

قوله تعالى: {فَلَمّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ؛} أي لمّا وضع الطعام بين أيديهم، فرآهم لا يمدّون إليه أيديهم أنكرهم، {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ؛} أضمر في نفسه، {خِيفَةً؛} خوفا منهم، وكان أهل ذلك الزمان إذا لم يأكل بعضهم من طعام بعض خافوا من غائلته. فلما علمت الملائكة خوفه منهم، {قالُوا لا تَخَفْ؛} منّا يا إبراهيم، {إِنّا أُرْسِلْنا،} أي إنّ الله أرسلنا، {إِلى قَوْمِ لُوطٍ} (٧٠)؛لنهلكهم.

قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ؛} معناه: وامرأته سارة كانت قائمة معه على رءوسهم بالخدمة، ويقال: كانت قائمة من وراء السّتر في حال محاورة إبراهيم مع الملائكة، ويقال: إنّ سارة بنت عمّ إبراهيم.

قوله تعالى: {(فَضَحِكَتْ)} أي ضحكت من سرورها بالسّلام، فزادوها بشارة بإسحاق عليه السّلام، وقال السديّ: (إنّ إبراهيم قال لهم: ألا تأكلون؟! قالوا: إنّا قوم لا نأكل إلاّ بالثّمن، قال: كلوا وأدّوا ثمنه، قالوا: وما ثمنه؟ قال: أن تذكروا اسم الله في أوّله وتحمدوه في آخره. فنظر جبريل إلى من معه من الملائكة وقال: حقّ لهذا أن يتّخذه الله خليلا، فضحكت امرأته وقالت: عجبا لأضيافنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا!) (٤).


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٤١٢٤).
(٢) جامع البيان: الأثر (١٤١٢٥) عن مجاهد، والأثر (١٤١٢٦) عن قتادة.
(٣) تفسير مقاتل بن سليمان: ج ٢ ص ١٢٥.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٤١٣٧ و ١٤١٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>