للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أهل الحقائق: الهمّ همّان: همّ مقيم ثابت، وهو إذا كان معه عزم وعقد ونيّة ورضى مثل همّ امرأة العزيز، فالعبد مأخوذ به، وهمّ عارض وارد وهو الخطرة والفكرة وحديث النّفس من غير اختيار ولا عزم مثل همّ يوسف، والعبد غير مأخوذ به.

وفي الحديث عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: [إنّ الله تجاوز عن أمّتي ما حدّثت به أنفسها ما لم يتكلّموا أو يفعلوا به] (١).عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: [ما من أحد يلقى الله قد همّ بخطيئة قد عملها، إلاّ يحيى بن زكريّا فإنّه لا يهمّ ولم يفعل] (٢).

وقال بعضهم في قوله {(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها)} قال أبو العبّاس أحمد بن يحيى ثعلب: (همّت المرأة بالمعصية مصرّة على ذلك، وهمّ يوسف بالمعصية ولم يأتها).

وقيل: همّت المرأة عازمة على الزنى، ويوسف عارضه ما يعارض الشباب من خطرات القلب وحديث النّفس، فلم يلزمه، وهذا الهمّ ليس ذنبا إذ الرجل الصائم يخطر بقلبه شراب الماء البارد، فإذا لم يشرب كان غير مؤاخذ بما يحسّ في نفسه فيه.

وقال الزجّاج: (وهمّ بها وجلس منها مجلس الرّجل من المرأة، إلاّ أنّ الله تعالى تفضّل عليه بأن أراه البرهان، ألا تراه قال: وما أبرّئ نفسي) (٣).

قوله تعالى: {لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ؛} اختلفوا في هذا البرهان، قال ابن عبّاس والحسن وابن جبير ومجاهد: (رأى صورة يعقوب عاضّا على أنامله) (٤)،


(١) أخرجه الطبراني في الأوسط: ج ٤ ص ٣٨٨:الحديث (٣٦٦١) عن أبي هريرة رضي الله عنه. والإمام أحمد في المسند: ج ٢ ص ٢٥٥ و ٤٢٥ و ٤٧٤.والبخاري في الصحيح: كتاب العتق: باب الخطأ والنسيان: الحديث (٢٥٢٨)،وفي الإيمان: باب تجاوز الله عن حديث النفس: الحديث (٦٦٦٤). وأبو داود في السنن: كتاب الطلاق: باب ما جاء فيمن يحدث نفسه: الحديث (٢٢٠٩).
(٢) في الدر المنثور: ج ٤ ص ٤٨٨؛ قال السيوطي: ((أخرجه أحمد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والحاكم وابن مردويه)) وفي ص ٤٨٦؛قال: ((أخرجه عبد الرزاق وأحمد في الزهد وعبد ابن حميد وابن أبي حاتم)).وقد تقدم.
(٣) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ج ٣ ص ٨٢.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٤٦٠٠) عن سعيد، و (١٤٦٠٢) عن مجاهد، و (١٤٦٠٧) عن الحسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>