للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ؛} أي أخّر هذه الكلمة في نفسه، ولم يظهر لهم جوابا، بل {قالَ؛} في نفسه: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً؛} أي صنعا من يوسف بما قدّمتم عليه من ظلم أخيكم وعقوق أبيكم، {وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ} (٧٧)؛به يوسف.

قوله تعالى: {قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ؛} روي أنّ يهودا كان أشدّ بني يعقوب غضبا، وكان إذا غضب صاح فلا تسمع صوته حامل إلاّ وضعت، وكان إذا غضب تقوم كلّ شعرة من جسده وتنتفخ، فلا يسكن غضبه حتى يمسّه واحد من آل يعقوب.

فقال يهودا لبعض إخوته: انظروا كم سوقا بمصر؟ فنظروا فإذا هي عشرة، فقال لإخوته: اكفوني من هذه الأسواق حتى أكفيكم من الملك، ثم قال: تباعدوا منّي، فأمر يوسف ابنا له صغيرا، فقال: اذهب فمسّ ذلك الرجل، فدنا منه فمسّه فذهب غضبه، ثم همّ أن يصيح ثانية، فقام إليه يوسف فركضه برجله ليريه أنه شديد، ودفعه ثم أخذ بتلابيبه فجذبه فوقع في الأرض. ثمّ قال: إنّكم ترون معشر العبرانيّين أنّ أحدا ليس مثلكم في الشدّة.

فقال يهودا لإخوته: هل مسّني أحد من آل يعقوب؟ قالوا: لا، وذلّ يهودا عند ذلك، وقال: يا أيّها العزيز إنّ له أبا شيخا كبيرا في السنّ، فذكروا هذا على جهة الاسترحام.

وقيل: معناه: كبير القدر لا يحسبن، أين مثله؟ فخذ أحدنا مكانه عبدا. وقيل:

وفي هذا دليل أنه كان يجوز لإنسان أن يرقّ نفسه لغيره، وقد نسخ هذا بشريعة نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم (١).

قوله تعالى: {إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (٧٨)؛إلى كلّ من يأتيك وقد أوفيت لنا الكيل، ورددت علينا بضاعتنا وقضيت حاجتنا، فإن رددتّ معنا أخانا كان أعظم منّة علينا من جميع ما سبق.


(١) هنا أدرج الناسخ عبارة: (وهنا كذا في تفسير عبد الصمد) وستأتي ترجمة عبد الصمد إن شاء الله وهو متأخر عن الإمام الطبراني.

<<  <  ج: ص:  >  >>