وروي أن يعقوب كتب كتابا إلى عزيز مصر: بسم الله الرّحمن الرحيم: من يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم إلى عزيز مصر، أما فإنّا أهل بيت موكّل بنا البلاء، ابتلى الله جدّي بأن طرح في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما، وابتلى عمّي إسماعيل بالذبح، ففداه الله بكبش عظيم، وابتلى أبي بالعمى، وابتليت أنا بغيبة ابني يوسف فذهب بصري، وزعمت أنّ ابني سرق، وما ولدت سارقا، فخلّ سبيل ابني وإلا فإن الله يفعل ما يشاء.
ثم دفع الكتاب إلى أولاده وقال لهم: إذا دخلتم عليه فقولوا: يا أيّا العزيز مسّنا وأهلنا الضّرّ، فذلك:
قوله تعالى:{فَلَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ؛} أي فلمّا دخلوا في المرّة الثالثة قالوا: يا أيّها العزيز مسّنا وأهلنا الشدّة من القحط، {وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ؛} أي قليلة كاسدة، والمزجاة: هي الشيء اليسير الذي يدافع به. روي أنّهم جاءوا بمتاع الأعراب مثل الأقط والجبن والسّمن والصوف، وقيل: جاءوا بدراهم رديئة لا تنفق في الطعام، وقال الضحاك:(النّعال والأدم).
قوله تعالى:{فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا؛} أي وفّر لنا الكيل، كما كنت توفر في السنين الماضية، ولا تنظر الى قلة بضاعتنا في هذه السنة، وتصدق علينا بنقصان السعر.
وقال سفيان بن عيينة:(سألوا الصّدقة وهم أنبياء، وكانت حلالا لهم، وإنّما حرّمت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم)(١)،وكره مجاهد أن يقول الرجل في دعائه اللهم تصدق علينا، فان الصدقة إنما هي ممن يبتغي الثواب، وقوله تعالى:{إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}(٨٨)؛أي على صدقاتهم بأفضل منها.
قوله تعالى:{قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ}(٨٩)؛روي أنّهم لما دفعوا الكتاب إليه وقرأه، أرعد حتى سقط الكتاب من يده، ثم انتحب انتحابة كاد أن يتقطّع منها قلبه، وقال لهم عند ذلك: هل