للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الظاهر بالنهار في سربه؛ أي في طريقه وتصرّفه في حوائجه، وعن قطرب في:

{(مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ}:أي ظاهر، وسارب بالنّهار: أي مستتر) يقال: سرب الوحش إذا دخل في كناسه، والأول أبين وأبلغ في وصف عالم الغيب.

قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ؛} أي للإنسان مساويات، والكناية في قوله تعالى {(لَهُ)} ردّ على من أسرّ القول ومن جهر به وهم الآدميّون. وقال بعضهم: {(لَهُ مُعَقِّباتٌ)} أي لله تعالى ملائكة يتعاقبون بالليل والنهار، فإذا صعدت ملائكة الليل أعقبتها ملائكة النّهار، وإذا صعدت ملائكة النهار أعقبتها ملائكة الليل.

وقوله تعالى: {(مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ)} يعني من قدّام هذا المستخفي بالليل والسّارب بالنهار، ومن خلفه؛ أي وراء ظهره ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء القدر خلّوا عنه.

واختلفوا في المعقّبات، قال بعضهم: الكرام الكاتبون؛ وهم أربعة: ملكان بالليل وملكان بالنّهار.

قوله تعالى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ؛} أي بأمر الله حتى ينهوا به إلى المقادير، فيخلّوا بينه وبين المقادير، قال كعب الأحبار: (لولا أنّ الله وكّل بكم ملائكة يذبّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لخطفتكم الجنّ) (١).

قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ؛} أي لا يسلب قوما نعمة حتى يعملوا المعاصي، يعني بهذا أهل مكّة، بعث فيهم رسولا منهم، وأطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، فلم يعرفوا هذه النعمة وغيّروها وجعلوها لأهل المدينة (٢).


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٥٣٧٠).وفي الدر المنثور: ج ٤ ص ٦١٤؛ قال السيوطي: (أخرجه ابن جرير عن كعب الأحبار رضي الله عنه).
(٢) في الجامع لأحكام القرآن: ج ٩ ص ٢٩٤؛ قال القرطبي: (أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يغير ما بقوم حتى يقع منهم تغيير، إما منهم أو من الناظر لهم، أو ممن هو منهم بسبب؛ كما غير الله بالمنهزمين يوم أحد بسبب تغيير الرماة لأنفسهم، إلى غير هذا من أمثلة الشريعة؛ فليس- معنى--الآية أنه ليس ينزل بأحد عقوبة إلا بأن يتقدّم منه ذنب، بل قد تنزل المصائب بذنوب الآثار-

<<  <  ج: ص:  >  >>