مجنون، وقال آخر: إنه ليس بمجنون يجنّن نفسه حتى تطلقوه، ونظر اليه آخر شزرا وقال: أتظنّ أنّا نصدّقك ونطلقك؟ فإن هذه الورق لضربه أكثر من ثلاثمائة سنة، وأنت غلام شاب وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار.
فقال يمليخا: أتعرفون شيئا أسألكم عنه؟ قالوا: سل؛ قال: ما فعل دقيانوس، قالوا لا نعرف اليوم على وجه الأرض ملك يسمّى دقيانوس، ولم يكن إلاّ ملك قد هلك منذ زمان طويل، وهلكت بعده قرون كثيرة، فقال يمليخا: والله لقد كنا فتية وإنه أكرهنا على عبادة الأوثان، فهربنا منه عشيّة أمس فنمنا، فلما انتبهنا خرجت لأشتري لأصحابي طعاما وأتجسّس الأخبار، فإذا أنا كما ترون، فانطلقوا معي إلى الكهف أريكم أصحابي.
فلما سمع أرنوس ما يقول يمليخا قال: يا قوم لعلّ هذا آية من آيات الله جعلها الله لنا على يدي هذا الفتى، فامضوا بنا معه يرينا أصحابه. فمضوا معه ومضى جميع أهل المدينة، فلمّا سمع الفتية الذين في الكهف الأصوات وجلبة الخيل مصعدة نحوهم، وقد كان أبطأ عليهم يمليخا، ظنّوا أنه دقيانوس جاء في طلبهم، فسبق يمليخا القوم وجاء إليهم فسألوه عن شأنه فأخبرهم بالخبر كله، فعرفوا أنّهم كانوا نياما بأمر الله ذلك الزّمان كله، وإنّما أوقظوا؛ ليكونوا آية للناس وتصديقا للبعث، وليعلموا أنّ الساعة لا ريب فيها، فلما فرغ يمليخا من كلامه قبض الله روحه وأرواحهم، وعمي على أولئك القوم باب الكهف فلم يهتدوا إليه (١).
قوله تعالى:{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ؛} أي اذكر لقومك إذ أوى الفتية يعني الشباب؛ {فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً؛} ننجوا بها من قومنا، {وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً}(١٠)،أي اجعل لنا طريقا ومخرجا يوفّقنا إليك، وارشدنا إلى ما يقرّبنا إليك.
قوله تعالى:{فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً}(١١)؛ أي أنمناهم في الكهف سنين معدودة وهم أحياء يتعشّون،
{ثُمَّ بَعَثْناهُمْ؛} أي
(١) أخرج الطبري قصة أصحاب الكهف في جامع البيان: النصوص (١٧٢٦٨ - ١٧٢٧٣).