قوله تعالى:{قالَ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ؛} أي قال زكريّا لجبريل: يا سيّدي من أين يكون لي ولد، {وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً} من الولد، {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا}(٨)؛أي حال اليأس والجفف.
روي أنه كان له يومئذ بضع وستّون سنة، والعتيّ هو الذي غيّره طول الزمان إلى اليأس (١).قال قتادة:(وإنّما قال ذلك لنحول عظمه) يقال: رجل عات اذا كان قاسي القلب غير ليّن. وقرأ حمزة والكسائي: {(عِتِيًّا)} بكسر العين وهما لغتان، وقد تقدّم أن هذا القول من زكريا لم يكن على جهة الإنكار، ولكن أحبّ من أيّ وجه يكون أبردّهما إلى الشّباب، أو يرزقهما الولد وهما على هذه الصفة.
قوله تعالى:{قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ؛} أي قال له جبريل:
هكذا قال ربّك، كما قلت لك هو عليّ هيّن، {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ؛} أي من قبل يحيى، {وَلَمْ تَكُ شَيْئاً}(٩)؛وكنت معدوما. قرأ حمزة والكسائيّ: «(وقد خلقناك من قبل)» بالنون والألف.
قوله تعالى:{قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً؛} أي قال زكريا: يا رب اجعل لي علامة أعلم بها وقوع ما بشّرت به؛ لأتعجّل المسرّة، {قالَ آيَتُكَ؛} علامتك، {أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا}(١٠)،أي لا تقدر أن تكلم الناس، وأنت سويّ لا خرس بلسانك ولا آفة، فإنه كان يقرأ الزّبور ويدعو الله ويسبّحه، ولكنه اعتقل كلامه عن كلام الناس. وقوله {(سَوِيًّا)} أي صحيحا سالما من غير بأس ولا خرس، و {(سَوِيًّا)} منصوب على الحال.
قوله تعالى:{فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ؛} أي خرج عليهم من مصلاّه متغيّر اللون، وهم ينتظرونه فأنكروه وقالوا: ما لك يا زكريا؟ {فَأَوْحى إِلَيْهِمْ؛} أي أشار إليهم وأومأ، ويقال: كتب بيده {أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}(١١)؛أي صلّوا لله غدوة وعشيّة، والسّبحة الصلاة، فلما كان وقت حمل
(١) في جامع البيان: الأثر (١٧٧١١)؛قال الطبري: (قال قتادة: كان ابن بضع وسبعين سنة).