صنعوه كيد ساحر. وقرئ «(كيد سحر)» كما قالوا بمعنى حذر، {وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى}(٦٩)؛أي لا يغلب حقّك بباطله. وقيل: لا يسعد السّاحر حيث كان.
فألقى موسى عصاه فتلقّفت جميع ما صنعوا، ثم أخذها موسى فرجعت عصا كما كانت،
{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى}(٧٠)؛فما رفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة والنار، ورأوا ثواب أهلها، فعند ذلك قالوا:(لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات) يعني الجنة والنار، وما رأوا من درجاتهم.
قال: وكانت امرأة فرعون تسأل من غلب؟ فقيل لها: موسى، فقالت: آمنت برب موسى وهارون، فأرسل إليها فرعون، فقال: انظروا إلى أعظم صخرة تجدونها فأتوها، فإن هي رجعت عن قولها وإلاّ فألقوها عليها، فلما أتوها رفعت ببصرها إلى السّماء فرأت الجنّة فقالت:{رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ}(١) فانتزعت روحها، والصخرة على جسد لا روح فيه.
قوله تعالى:{قالَ آمَنْتُمْ لَهُ؛} بموسى، {قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ؛} في الإيمان. والفرق بين {(آمَنْتُمْ لَهُ)} وآمنتم به: أنّ في {(آمَنْتُمْ لَهُ)} معنى الاتّباع له، وآمنتم به إيمان بالخبر من اتباع له في ما دعا اليه.
قوله تعالى:{إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ؛} أي رئيسكم ومعلّمكم، وإنّما قال فرعون هذه المقالة قصدا منه إلى صرف الناس عن اتّباع موسى؛ لأن السّحرة لم يتعلّموا من موسى، وإنّما كانوا يعلّمون السحر قبل قدوم موسى وقبل ولادته، {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ؛} قد تقدّم تفسيره، {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ؛} أي على جذوع النّخل، أقيم حرف {(فِي)} مقام حرف (على)،فكان فرعون أوّل من قطع اليد والرّجل من خلاف وصلب. قوله تعالى:{وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى}(٧١)؛أي لتعلمنّ أيّنا أشدّ عذابا وأبقى عذابا، أنا أم ربّ موسى وهارون.