قوله تعالى: {(بَلِ افْتَراهُ)} أي قالوا اختلقه كذبا من تلقاء نفسه، ثم قالوا: {(بَلْ هُوَ شاعِرٌ)} فجعلوا ينقضون أقوالهم قول متحيّر لا يمكنه الجزم على أمر واحد. قوله تعالى:{فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ}(٥)؛بالآيات، نحو انقلاب البحر، وإحياء الموتى، والناقة والعصا.
فقال الله تعالى مجيبا لهم:{ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ}(٦)؛أي ما آمنت قبل مشركي مكّة {(مِنْ قَرْيَةٍ)} يعني أهلها، والمعنى:
ما آمنت من قرية مهلكة بالآيات المرسلة، فكيف يؤمن هؤلاء؟ والمعنى: أنّ مجيء الآيات لو كان سببا للإيمان من غير إرادة الله لكان سببا لإيمان أولئك، فلما بطل ذلك بطل هذا.
وقوله تعالى:{وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ؛} يعني ما أرسلنا قبلك من الرّسل إلاّ رجالا مثلك، وهذا جواب لقولهم {(هَلْ هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)}،فقال الله تعالى: لم أرسل قبل محمّد إلاّ رجالا من بني آدم لا الملائكة، {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(٧)؛وأراد بأهل الذّكر علماء أهل الكتاب؛ لأن اليهود النصارى لا ينكرون أن الرّسل كانوا بشرا، وإن أنكروا نبوّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم. وقيل: أراد بالذّكر القرآن، والمعنى: فاسألوا المؤمنين من أهل القرآن إن كنتم يا أهل مكّة لا تعلمون. قال عليّ (كرّم الله وجهه):لمّا نزلت هذه الآية قال: (نحن أهل الذّكر)(١).
قوله تعالى:{وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ؛} أي وما جعلنا الأنبياء ذوي أجساد لا يأكلون الطعام، ولا يشربون الشراب، {وَما كانُوا خالِدِينَ}(٨)؛لا يموتون، وذلك أنّهم قالوا: ما لهذا الرّسول يأكل الطّعام؟ فأعلموا أن الرّسل جميعا كانوا يأكلون الطعام، وأنّهم يموتون كسائر البشر، وإنّما وحّد الجسد؛ لأنه مصدر كالخلق.