للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل: أراد بالخصمين الفريقين الذين تبارزوا يوم بدر. والخصم يقع على الواحد والجميع، ألا ترى أنه جعل الكفار خصما، والمؤمنين خصما، ولهذا قال {(اخْتَصَمُوا)}؛لأنّهما جمعان وليس برجلين. وكان أبو ذرّ رضي الله عنه يقسم أنّ هذه الآية نزلت في ستّة نفر من قريش تبارزوا يوم بدر بثلاثة من المؤمنين وهم: (حمزة؛ وعليّ؛ وعبيدة بن الحارث) وثلاثة من المشركين وهم: (عتبة؛ وشيبة؛ والوليد بن عتبة)،قال:

وقال عليّ رضي الله عنه: (إنّي لأوّل من يبعث للخصومة يوم القيامة بين يدي الله عزّ وجلّ) (١).

قوله تعالى: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ؛} أي نحاس قد أذيب في النار فيجعل على أبدانهم بمنزلة الثياب، وليس شيء إذا حمي أشدّ حرّا من النّحاس، {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ} (١٩)؛وهو الماء الحارّ الذي قد انتهى حرّه،

قوله تعالى: {يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} (٢٠)؛أي يذاب بالحميم الذي يصبّ من فوق رءوسهم ما في بطونهم من الشّحوم حتى يخرج من أدبارهم، وتذاب به الجلود أيضا، فإن جلودهم تتساقط من حرّ الحميم. والصّهر الإذابة، يقال: صهرت الإلية بالنّار أصهرها؛ أي أذبتها.

قوله تعالى: {وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} (٢١)؛المقامع جمع مقمعة؛ وهي مدقّة الرّأس. روي أنّ الملائكة يضربون وجوههم بأعمدة من حديد، فيهوون في النّار سبعين خريفا. قال مقاتل: (تضرب الملائكة رأس الكافر بالمقمعة فينقب رأسه، ثمّ يصبّ فيه الحميم الّذي انتهى حرّه، فينفذ الجمجمة حتّى يخلص إلى جوف الكافر، فيسلت ما في جوفه من الأمعاء حتّى يحرق قدميه) (٢).

قوله تعالى: {كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها؛} أي كلما رفعتهم النار بلهبها فحاولوا الخروج منها في غمّ العذاب أعيدوا في النار بضرب المقامع، وقيل لهم: {وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ} (٢٢)؛أي المحرق مثل الأليم بمعنى المؤلم. وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال في قوله تعالى {(وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ)}


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٨٨٨٥).وابن أبي حاتم في التفسير: الأثر (١٣٨١٦). والأثر رواه البخاري في الصحيح: كتاب التفسير: باب هذانِ خَصْمانِ: الحديث (٤٧٤٣).
(٢) في تفسير مقاتل: ج ٢ ص ٣٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>