للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {حُنَفاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ؛} أي مخلصين لله مستقيمين على أمره غير مشركين في تلبية ولا حجّ، وذلك أنّ أهل الجاهلية كانوا يقولون في تلبيتهم: لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إلاّ شريكا تملكه يعنون الصّنم.

وانتصب قوله: {(حُنَفاءَ)} على الحال.

قوله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ؛} أي سقط من السّماء، {فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ؛} في الهواء فتمزّقه، أو تذهب به الريح في موضع بعيد؛ أي منحدر فيقع على رأسه فيهلك، أي كما أنّ الذي سقط من السماء لا يملك نفعا ولا دفع ضرّ، وكذلك الذي تهوي به الريح في مكان سحيق، وكذلك المشرك لا ينتفع بشيء من أحماله ولا يقدر على شيء منها.

قرأ أهل المدينة «(فتخطّفه الطّير)» بالتشديد أي فتتخطفه، فأدغم أحد التّاءين في الأخرى، والخطف: الأخذ بسرعة. قال ابن عبّاس: (يريد يخطف لحمه)، {أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ؛} أي تسقطه، {فِي مَكانٍ سَحِيقٍ} (٣١)؛أي بعيد. شبّه حال المشرك بحال هذا الهاوي من السّماء في أنه لا يملك حيلة حتى يسقط فهو هالك لا محالة، إما بإسلاب الطّير، وإما بالسّقوط في المكان السّحيق.

قوله تعالى: {ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ؛} أي ذلك التباعد والهلاك لمن أشرك بالله، من يعظّم شعائر الله؛ أي مناسك الله. وقيل: أراد بالشّعيرة البدن، فمن عظّمها باستمنانها واستحسانها، {فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (٣٢)؛يعني من صفاوة القلوب. وإنّما أضاف التّقوى إلى القلوب؛ لأن حقيقة التقوى تقوى القلوب.

قوله تعالى: {لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى؛} أي لكم في بهيمة الأنعام المنافع تركبوها، وتشربون ألبانها قبل أن تشعروها وتسمّوها هديا إلى أن تقادوها، وسموها هديا، وأما إذا قلدوها وسمّوها هديا انقطعت هذه المنافع فلا يجوز له حينئذ شرب ألبانها ولا خزّ أصوافها ولا بيع أولادها.

وأما ركوبها عند الشافعيّ يجوز إذا لم يضرّ بها، وعندنا لا يجوز إلاّ اذا اضطرّ إليه. وعن أبي هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه رأى رجلا يسوق بدنة، فقال له: [ويحك!

<<  <  ج: ص:  >  >>