الله. قوله تعالى: {(فَأَسْكَنّاهُ فِي الْأَرْضِ)} أي جعلنا سكناه ومستقرّه في الأرض مثل العيون والغدران والرّكايا. وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: [أنزل الله من الجنّة خمسة أنهار: سيحون وهو نهر الهند، وجيحون وهو نهر بلخ، ودجلة والفرات وهما نهرا العراق، والنّيل وهو نهر مصر، أنزلها الله من عين واحدة من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل. وذلك قوله {(فَأَسْكَنّاهُ فِي الْأَرْضِ)}.فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله جبريل فرفع من الأرض القرآن والعلم والحجر الأسود وهذه الأنهار الخمسة، فيرفع ذلك إلى السّماء، فذلك قوله تعالى:{وَإِنّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ}(١٨)؛فإذا رفعت هذه الأشياء فقد أهلها خير الدّين والدّنيا] (١).
قوله تعالى:{فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ؛} أي أخرجنا لكم بذلك المطر بساتين من نخيل وكروم، وإنّما خصّها بالذّكر لأنّها أشرف الثّمار، وقوله تعالى:{لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ؛} سوى النخيل والأعناب، {وَمِنْها تَأْكُلُونَ}(١٩)؛بإباحة الله لكم تأكلونها صيفا وشتاء.
قوله تعالى:{وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ؛} أي وأنبتنا بذلك المطر شجرة وهي الزيتونة تخرج من جبل سيناء للبركة، كأنه قال: من جبل البركة. وقرئ {(طُورِ سَيْناءَ)} بفتح السّين. واختلفوا في المراد بالطّور، قال بعضهم: هذا الجبل الذي نادى موسى ربّه عنده. يقال: إن أصل شجرة الزيتون من ذلك الجبل؛ أي أوّل ما غرست فيه. وقال بعضهم: هو جبل بالشّام كثير الأشجار والأثمار. وقيل عن الزيتونة: أول شجرة نبتت في الأرض بعد الطّوفان. قوله تعالى:{تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ}(٢٠)؛قرأ أكثر القرّاء {(تَنْبُتُ)} بفتح التاء وضمّ الباء؛ أي تنبت بثمار الدّهن يعني الزّيت. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بضمّ التاء وكسر الباء، ومعناه معنى الأول. والباء في قوله تعالى {(بِالدُّهْنِ)} للتعدّي، يقال: أنبته ونبت به، ونبت
(١) أخرجه الخطيب في تأريخ بغداد: ج ١ ص ٧٩ - ٨٠:باب ذكر نهري بغداد دجلة والفرات وما جعل الله فيهما من المنافع والبركات.