لا يشترط إلاّ في الزّنا، ولا يقبل في ذلك شهادة النساء. وفي الآية دليل على أن من قذف جماعة من المحصنات لم يضرب إلاّ حدّا واحدا، وإذا كان القاذف عبدا فحدّه النّصف كما بيّنّا في حدّ الزنا.
قوله تعالى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً؛} يعني المحدودين في القذف لا تقبل شهادتهم أبدا، {وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ} (٤)؛أي الخارجون عن طاعة الله برميهم إياهنّ زورا وكذبا.
قوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ؛} أي ندموا على قذفهم وعزموا على ترك المعاودة {وَأَصْلَحُوا؛} أعمالهم فيما بينهم وبين ربهم، {فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ؛} لمن تاب منهم، {رَحِيمٌ} (٥)؛لمن مات على التوبة.
قال ابن عبّاس: (هذا الاستثناء لا يرجع إلى الشّهادة، وإنّما يرجع إلى الفسق) (١).وقيل: إنّ توبته فيما بينه وبين الله مقبولة، وأما شهادته فلا تقبل أبدا، وهو قول شريح والحسن وإبراهيم (٢)،وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وأصحابه.
وذهب بعض العلماء إلى أن الاستثناء راجع إلى الفسق وإلى ردّ الشهادة، ويكون معنى قوله تعالى {(أَبَداً)} ما دام على القذف ولم يتب عنه. وأجمعوا جميعا أنّ هذا الاستثناء لا يرجع إلى الجلد، وذلك يقتضي أن يكون مقصورا على ما يليه وهو الفسق.
وأجمعوا أن المقذوفة إذا ماتت ولم تطالب بحدّ القذف ولم يحدّ القاذف ثم تاب، فإنه يجوز قبول شهادته؛ لأن على أصلنا أنّ الحاكم إذا أقام الحدّ على القاذف
(١) في الجامع لأحكام القرآن: ج ٢ ص ١٨٠؛ قال القرطبي: (الاستثناء إذا تعقّب جملا معطوفة عاد إلى جميعها عند مالك والشافعي وأصحابهما. وعند أبي حنيفة وجلّ أصحابه يرجع الاستثناء إلى أقرب مذكور؛ ولهذا لا تقبل شهادته، فإن الاستثناء راجع إلى الفسق خاصة لا إلى قبول الشهادة) ثم ذكر سبب الخلاف.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٩٥٢٤ - ١٩٥٢٧) عن شريح بأسانيد، و (١٩٥٣٠) عن الحسن بإسنادين، و (١٩٥٣١) عن إبراهيم.