للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرسالة، كما قال تعالى {وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً} (١) ولو جعل الملك شريكا للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم معاونا له في الإنذار، أدّى ذلك إلى استصغار كلّ واحد منهما في أنه لا يكون كلّ واحد منهما قائما بنفسه في أداء الرسالة.

وأما الكنز فإنه قد وجد كثير من الفراعنة ولم يوجب ذلك اتباعهم، وعدم مع كثير من الأنبياء الذين أقرّ الخلق برسالتهم، وكذلك الحياة؛ ولأن الأنبياء صلوات الله عليهم إنّما يبعثون لتزهيد الناس في الكنوز والحياة، وترغيبهم في الآخرة، فكيف يجوز أن يمنعوا الناس عنه ويشتغلوا به هم؟

قوله تعالى: {تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً} (١٠)؛قال ابن عبّاس:

(وذلك أنّ ملكا أنزل من السّماء، فقال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله يخيّرك بين أن يعطيك خزائن كلّ شيء، ومفاتيح كلّ شيء لم يعطها أحد قبلك، ولم يعطها أحد بعدك من غير أن ينقصك شيئا ممّا ادّخر لك في الآخرة، وبين أن يجمعها لك في الآخرة، فقال صلّى الله عليه وسلّم: [بل يجمعها لي في الآخرة]) (٢).

وقال صلّى الله عليه وسلّم: [خيّرني جبريل بين أن أكون نبيّا ملكا وبين أن أكون نبيّا عبدا، فاخترت أن أكون نبيّا عبدا؛ أشبع يوما وأجوع يوما، أحمد الله إذا شبعت، وأتضرّع إليه إذا جعت] (٣).

وكان صلّى الله عليه وسلّم يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف النّعل، ويرقّع الثّوب، ويركب الحمار العاري، ويردف خلفه، وكان قد مات ذكر الدّنيا عن نفسه، ويقول: (وا عجبا كلّ العجب للمعترف بدار الخلود وهو يعمل لدار الغرور).


(١) الأنعام ٩/.
(٢) في الدر المنثور: ج ٦ ص ٢٣٨؛ قال السيوطي: (أخرجه ابن مردويه) وأخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٩٩٣٣).
(٣) في تخريج أحاديث الإحياء: ج ٥ ص ٢٠٢٨؛ قال العراقي: (رواه أبو يعلى من حديث عائشة، والطبراني من حديث ابن عباس، وكلا الحديثين ضعيف).وأخرج الترمذي شطرا من الحديث في الجامع: أبواب الزهد: باب ما جاء في الكفاف: الحديث (٢٣٤٧)،وقال: حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>