قوله تعالى:{بَلْ كَذَّبُوا بِالسّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسّاعَةِ سَعِيراً}(١١)؛معناه: لا يستطيعون سبيلا إلى إلزام الحجّة وإثبات المعذرة، ولكن كذبوا بالسّاعة، وأعتدنا لمن كذب بقيام السّاعة نارا مسعّرة،
{إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ؛} من مسيرة خمسمائة عام، {سَمِعُوا لَها؛} للنار غليانا، {تَغَيُّظاً وَزَفِيراً}(١٢)؛كتغيّظ بني آدم، وصوتا كالزّفير عند شدّة التهابها واضطرابها، وإنّما قال {(إِذا رَأَتْهُمْ)} وهم يرونها على معنى: كأنّها تراهم رؤية الغضبان الذي يزفر غيظا. قيل: إنّها لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلاّ خرّ لوجهه.
قوله تعالى:{وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً}(١٣)؛قال ابن عبّاس:(يطبق عليهم كما يطبق الزّجّ في الرّمح، قال صلّى الله عليه وسلّم:[والّذي نفسي بيده؛ إنّهم يستكرهون كما يستكره الوتد في الحائط] (١).
والمعنى: إذا طرحوا في مكان ضيّق من النّار مقرّنين؛ أي مغلولين قد قرنت أيديهم من الجنّ والإنس يقولون: وا ثبوراه، وا هلاكاه.
وفي الخبر: أنّهم إذا ألقوا على باب جهنّم، وتضايق عليهم كتضايق الزّجّ في الرّمح، فيزدحمون في تلك الأبواب الضيّقة، يرفعهم اللهب وتخضعهم مقامع ملائكة العذاب، فعند ذلك يدعون بالويل والثّبور،
ويقال لهم:{لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً}(١٤)؛فإنّ سبب الثّبور دائم لا ينقطع.
قوله تعالى:{قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ؛} أي قل أذلك العذاب والسّعير خير أم جنّة الخلد التي وعد المتّقون، وهذا على طريق التعجّب والتبعيد لا على طريق الاستفهام؛ لأنه ليس في السعير خير.
قوله تعالى:{كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً}(١٥)؛أي كانت الجنّة للمتقين جزاء ومرجعا في الآخرة،
{لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ؛} أي لهم في جنّة الخلد ما يشاءون، {كانَ؛} ذلك الخلد، {عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً}(١٦)؛وذلك أن المؤمنين سألوا ربّهم في الدّنيا حين قالوا {رَبَّنا وَآتِنا ما}
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير: الحديث (١٥٠٠٥).