للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} (٦)؛أي إنّك لتعي القرآن وحيا من عند الله تعالى، أنزله بعلمه وحكمته.

قوله تعالى: {إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ؛} أي واذكر إذ قال موسى لامرأته:

{إِنِّي آنَسْتُ ناراً؛} أبصرتها، وكانت امرأته يومئذ ابنة شعيب عليه السّلام، فقال لها حين ضلّ الطريق: أنّي أبصرت نارا، فامكثوا هاهنا، {سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ،} أي حتّى آتيكم من عند النار بخبر الماء والطريق، فإن لم أجد أحدا يخبرني عن الطريق آتيكم بشعلة نار، وهو قوله تعالى: {أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ؛} والشّهاب:

خشبة فيها نور ساطع، {لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} (٧)؛أي لكي تصطلوا من البرد، وكان ذلك في شدّة الشّتاء، يقال: صلى بالنار وأصلى بها إذا استدفأ، والمعنى:

أو آتيكم بالشّعلة المقبسة من النار لكي تذودوا (١) من البرد.

والشّهاب: هو النار المستطار، ومنه قوله {فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ} (٢) والقبس والجذوة: كلّ عود أشعل في طرفه نار. قرأ أهل الكوفة «(بشهاب قبس)» منوّن على البدل أو النعت للشهاب.

قوله تعالى: {فَلَمّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ؛} معناه: فلما جاء موسى إلى النار التي رآها نودي نداء الوحي: أن بورك من في طلب النار وهو موسى، {وَمَنْ حَوْلَها} من الملائكة. وهذه تحيّة من الله لموسى بالبركة كما حيّا إبراهيم بالبركة على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه، فقالوا: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت.

وقيل: المراد بالنار هو النّور، وذلك أن موسى رأى نورا عظيما، ولذلك ذكره بلفظ النار، ومن في النار هم الملائكة؛ لأن النور الذي رآه موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتسبيح والتقديس، ومن حولها هو موسى؛ لأنه كان بالقرب منها ولم يكن فيها. وأهل اللغة يقولون: بورك فلان؛ وبورك فيه؛ وبورك له وعليه، بمعنى واحد.

والمراد بالبركة هاهنا ما نال موسى من كرامة الله له بالنبوّة.


(١) في المخطوط: (تذوقوا)،والصحيح كما أثبتناه، أو (لكي تستدفئوا من البرد).
(٢) الصافات ١٠/.

<<  <  ج: ص:  >  >>