قوله تعالى: {(أَنْ أَرْضِعِيهِ)} أي أرضعيه ما لم تخافي عليه الطلب، فإذا خفت عليه الطلب {(فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ)} أي في البحر، فقالت: يا رب؛ إنّي أخاف عليه حيتان البحر، فأمرت أن تجعله في تابوت مقيّر، فذهبت إلى النّجّار، فأمرته أن يصنع لها تابوتا على قدره، فعرف ذلك فذهب إلى الموكّلين بذبح بني إسرائيل ليخبرهم بذلك، فلما انتهى إليهم أعقل لسانه فلم يطق الكلام، فجعل يشير بيده فلم يفهموا، فقال كبيرهم:
اضربوه؛ فضربوه وأخرجوه، فلما انتهى النجّار إلى موضعه ردّ الله عليه لسانه، فرجع إليهم ليخبرهم فاعتقل لسانه، فجعل يشير إليهم بيده، فلم يفهموه فضربوه، ففعل ذلك ثلاث مرّات، فعرف أنه من عند الله تعالى، فخرّ لله ساجدا وأسلم، ثم صنع التابوت وسلّمه إلى أمّ موسى فوضعته فيه وألقته في النّيل.
قوله تعالى:{وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي؛} أي لا تخافي من الغرق والهلاك، ولا تحزني لفراقه، {إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}(٧)؛إلى فرعون وقومه.
قوله تعالى:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ؛} قال ابن عبّاس: (لمّا ألقته أمّه في البحر أقبل تهوي به الأمواج حتّى اختار منزل فرعون، فخرجت جواري فرعون تسقين الماء، فأبصرت التّابوت بين الشّجر والماء فأخرجته وذهبت به إلى امرأة فرعون، فذلك قوله تعالى {(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ)}.
وقوله تعالى:{لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً؛} هذه (لام) العاقبة لأنّ أحدا لا يلتقط الولد ليكون له عدوّا، ونظير هذا قولهم: لدّوا للموت وابنوا للخراب.
وقوله تعالى {(وَحَزَناً)} قرأ أهل الكوفة إلاّ عاصما بضمّ الحاء وجزم الزّاي وهما لغتان، مثل السّقم والسّقم.
قوله تعالى:{إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ}(٨)؛ أي متعمّدين في الإقامة على الكفر والمعصية، يقال: خطأ فلان يخطئ خطأ إذا تعمّد الذنب وأخطأ إذا وقع منه على غير الصّواب، وقيل: معناه: إنّ فرعون وهامان وجنودهما كانوا آثمين عاصين.