وقيل: دخلها بين المغرب والعشاء، وقيل: دخلها يوم عيدهم وكانوا مشغولين عن موضع مدينتهم باللهو واللّعب، {فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ؛} أي من بني إسرائيل، {وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ؛} أي من القبط، وكان القبطيّ يسخّر الإسرائيليّ ليحمل له حطبا إلى مطبخ فرعون، والإسرائيليّ يأبى ذلك، {فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ؛} أي استنصره الإسرائيليّ، {عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ،} على القبطيّ، {فَوَكَزَهُ مُوسى؛} أي ضربه بجمع كفّه في صدره، {فَقَضى عَلَيْهِ؛} أي قتله فوقع القبطيّ ميّتا. وكلّ شيء فرغت منه وأتممته فقد قضيت عليه وقضيته، والوكز: الضّرب بجمع الكفّ.
وكان موسى عليه السّلام قد أوتي بسطة في الخلق وشدّة القوة والبطش، وكان من نيّة موسى أنه لا يريد قتله ولم يتعمّد هلاكه، بل قال له أوّلا: خلّ سبيله، فقال: إنّما أريده ليحمل الحطب إلى مطبخ فرعون، {(فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ)} أي قتله وفرغ من أمره، والوكز واللّكز والهز بمعنى واحد وهو الدّفع، ويقال: وكزه بعصاه.
فلمّا قتله موسى عليه السّلام ندم على قتله وقال: لم أدر بهذا، ثم دفعه في الرّمل، {قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ؛} لأنّي كنت لا أريد قتله، ولكن هيّج الشيطان حربي حتى ضربته. قوله تعالى:{إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ}(١٥)؛أي عدوّ لبني آدم مضلّ له مبين عداوته لهم.
ثم استغفر موسى ربّه ف {قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي؛} بقتل القبطي قبل ورود الأمر والإذن لي فيه، {فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(١٦)
قوله تعالى:{قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ}(١٧)؛أي بما أنعمت عليّ بالمغفرة والحلم والعلم فلن أكون عونا للكافرين، وهذا يدلّ على أنّ الإسرائيليّ الذي أعانه موسى كان كافرا.
قوله تعالى:{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ؛} أي أصبح من عند ذلك اليوم في تلك المدينة التي فعل فيها ما فعل خائفا على نفسه من فرعون وقومه {(يَتَرَقَّبُ)} أي ينظر عاقبة أمره، والتّرقّب: انتظار المكروه؛ أي ينتظر سوءا يناله منهم، {فَإِذَا؛} ذلك الإسرائيليّ، {الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ؛} أي يستغيثه