للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال ابن عبّاس: (سأل الله فلق خبز أن يقيم به صلبه) (١)،قال سعيد بن جبير:

(لقد قال موسى: إنّي لما أنزلت إليّ من خبز فقير، وهو أكرم خلقه عليه، ولقد افتقر إلى شقّ تمرة) (١)،وقال محمّد: (ما سأل الله إلاّ الخبز).واللام في قوله تعالى {(إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ)} بمعنى: إليّ، يقال: فقراء وفقير إليه.

قوله تعالى: {فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ؛} وذلك أنّ موسى عليه السّلام لمّا سقى لهما، رجعا إلى أبيهما سريعا، فقال لهما أبوهما: ما أعجلكما؟ قالتا:

وجدنا رجلا صالحا رحمنا، فسقى لنا أغنامنا، فقال لإحداهما: اذهبي فادعيه لي، فجاءته تمشي مستحية مشي من لا يعتاد الدّخول والخروج، واضعة كفّها على وجهها، معرضة من الحياء، وكانت التي أرسلها أبوها إلى موسى هي الصّغرى منهما، واسمها صورا، قال عمر بن الخطّاب في قوله تعالى: {(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ)}: (واضعة ثوبها على وجهها؛ أي مستترة بكمّ ذراعها) (٢).قال أهل اللّغة:

السّلفع: الجريئة التي هي غير مستحية (٣).

وقوله تعالى: {قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا} أي ليعطيك ذلك، فلما قالت ذلك لموسى شقّ عليه قولها، وهمّ أن لا يتبعها وكان بينه وبين أبيها مقدار ثلاثة أميال، ثم إنه لم يجد بدّا من اتّباعها؛ لأجل الجهد والجوع الذي حلّ به ولأجل الخوف الذي خرج لأجله، فانطلق معها، وكانت الريح تضرب ثوبها فنكّرته (٤) بردفها فتصف له عجيزتها، وكانت ذات عجز، فجعل موسى يغضّ


(١) ذكره البغوي في معالم التنزيل: ص ٩٧٨.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢٠٨٣٤).
(٣) كأنه يوجد سقط من المخطوط، حيث ضرورة سياق كلام المصنف رحمه الله تقتضي ذكر أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لم تكن سلفعا من النّساء خرّاجة ولاّجة، قائلة بيدها على وجهها: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا).أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢٠٨٣٧).من رواية عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. والسّلفع من النساء: الجريئة. والصّخّابة، البذيئة، الفاحشة القليلة الحياء. والخرّاجة والولاّجة: الكثيرة الظرف والاحتيال.
(٤) نكّره فتنكّر: أي غيّره فتغيّر إلى مجهول، وهنا غيّرت الريح صفة ثوبها إلى صفة ردفها مما يظهر شكل ما تحته.

<<  <  ج: ص:  >  >>