للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فرجعت الرّسل بما قالت بنو قريظة، فقالت قريش وغطفان: والله إنّ الّذي حدّثنا به نعيم بن مسعود لحقّ. وأرسلوا إلى بني قريظة: والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا، ولكنّكم إن كنتم تريدون الحرب فاخرجوا معنا فقاتلوا ونحن معكم. قالت بنو قريظة: لا نقاتل إلاّ إذا أعطيتمونا رهنا من رجالكم. فقالوا لهم:

حدّثنا نعيم بن مسعود بذلك فلم نصدّقه، فقالوا لهم: إنّ الّذي ذكره لكم حقّ.

وخذل الله بينهم، وبعث عليهم الرّيح في ليلة شاتية شديدة البرد حتّى انصرفوا راجعين، والحمد لله رب العالمين (١).

قوله تعالى: {(وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا)،} فأمّا المنافقون فظنّوا أنّ محمّدا وأصحابه سيغلبون ويستأصلون، وأما المؤمنون فأيقنوا أنّ ما وعدهم الله تعالى حقّ، وأنه سيظهر دينه على الدّين كلّه ولو كره المشركون. قال الحسن في معنى: {(وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا)}:

(يعني ظنّ المؤمنون بالله خيرا، وظنّ المنافقون أنّ الكافرين ظهروا على المؤمنين) (٢).

قرأ نافع وعاصم وابن عامر: {(الظُّنُونَا)} و {(الرَّسُولا)} و {(السَّبِيلا)} بإثبات الألف فيها وقفا ووصلا لأنه من أواخر الآي، وقرأ أبو عمرو بغير ألف وقفا ووصلا، وقرأ الباقون بالألف في الوقف دون الوصل.

قوله تعالى: {هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} أي في تلك الحال اختبر المؤمنون بالقتال ليتبيّن المخلص من المنافق. وقيل: معناه: امتحن المؤمنون بالخوف الشّديد الذي عنده يظهر المؤمن القويّ من المؤمن الضعيف، وذووا العزم الصحيح من غيرهم. وقوله: {وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً} (١١) أزعجوا وحرّكوا تحريكا شديدا، وذلك أن الخائف يكون قلقا مضطربا لا يستقرّ على مكانه.


(١) قصة نعيم بن مسعود الغطفاني أخرجها ابن هشام في السيرة النبوية: ج ٣ ص ٢٤٠ - ٢٤٤.
(٢) في جامع البيان: الأثر (٢١٦٢٧).وفي التفسير الكبير لابن أبي حاتم: الأثر (١٧٦٠٨) عن الحسن قال: (ظنونا مختلفة: ظن المنافقون أن محمدا وأصحابه يستأصلون، وأيقن المؤمنون أن ما وعدهم الله حق، وأنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون).

<<  <  ج: ص:  >  >>