للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {*وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنّا فَضْلاً؛} يعني النبوة والكتاب والملك. قوله تعالى: {يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ؛} أي سبحي معه إذا سبّح، فكان داود عليه السّلام إذا سبّح سبّحت الجبال معه حتى يسمع صوت تسبيحها. وقرئ «(أوبي معه)» أي عودي في التّسبيح معه كلّما عاد فيه.

وقال القتيبيّ: (أصله من التّأويب، وهو السّير باللّيل كلّه، كأنّه أراد ادني النّهار كلّه بالتّسبيح معه).وقيل: تسير معه كيف شاء.

وقوله {(وَالطَّيْرَ)}،قرأ العامة بالنصب، وله وجوه؛ أحدها: بالفعل؛ تقديره:

وسخّرنا له الطير، تقول: أطعمته طعاما وماء أي وسقيته ماء. والثاني: بالنّداء، يعني بالعطف على موضع النداء، لأنّ موضع كلّ منادى النصب. والثالث: بنزع الخافض، كأنه قال: أوّبي معه الطّير، كما يقال: لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها؛ أي مع فصيلها. وقرأ يعقوب «(والطّير)» بالرفع عطفا على الجبال. وقيل: على الابتداء، قال الشاعر:

ألا يا زيد والضّحاك سيرا ... فقد جاوزتما خمر الطّريق

يروى هذا البيت بنصب (الضّحّاك) ورفعه (١).

وقوله تعالى: {وَأَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ} (١٠)؛أي جعلنا له الحديد ليّنا يضربه كيف شاء من غير نار ولا مطرقة، وكان عنده مثل الشّمع والطين المسلول والعجين.

قوله تعالى: {أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ؛} أي قلنا له اعمل دروعا واسعات تامّات يجرّها لابسها على الأرض، فكان داود عليه السّلام أوّل من عمل الدّروع، والسّابغ:

هو الذي يغطّي كلّ ما على الرجل حتى يفضل، فكان داود يبيع كلّ درع بأربعة آلاف، فيأكل ويطعم عياله ويتصدّق على الفقراء والمساكين.

قوله تعالى: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ؛} أي اجعل حلق الدّرع متتابعة متناسقة بعضها إلى بعض على مقدار معلوم لا يتفاوت على وجه، ولا تنفذ فيه السّهام ولا


(١) الخمر: بالتحريك: ما يسترك من شجر وغيرها. قاله الفراء في معاني القرآن: ج ٣ ص ٣٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>