للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلما دخل داود عليه السّلام بها، فلم يلبث إلاّ يسيرا حتى بعث عليه ملكين في صورة آدميّين، فطلبا أن يدخلا عليه فوجداه في يوم عبادته، وكان من عادته أنّه جزّأ الدهر يوما لعبادته؛ ويوما لنسائه؛ ويوما للقضاء بين النّاس.

فلما جاء الملكان في يوم عبادته منعهما الحرس من الدخول عليه، فتسوّروا المحراب؛ أي دخلوا عليه من فوق المحراب (١)،

{إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ،} فلم يشعر وهو يصلّي إلاّ وهما بين يديه جالسين، {فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ،} ففزع منهما، فقالا: لا تخف يا داود نحن، {خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ؛} أي ولا تجر، قال السدّيّ: (ولا تسرف) (٢)،وقال المؤرّج: (ولا تفرّط).

وقرأ أبو رجاء «(تشطط)» بفتح التاء وضمّ الطاء الأولى من الشّطط، والإشطاط مجاوزة الحدّ. قوله تعالى: {وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ} (٢٢)؛أي وأرشدنا إلى الطريق المستقيم.

قوله تعالى: {إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً؛} قال أحد الملكين: إن هذا أخي؛ أي على ديني له تسع وتسعون امرأة. والنعجة: البقرة الوحشيّة، والعرب تكنّي عن المرأة بها، وتشبه النساء بالنّعاج من البقر، وإنما يعني بهذا داود؛ لأنه كان له تسع وتسعون امرأة، وهذا من أحسن التّعريض، ويسمّى تعريض التفهيم والتنبيه؛ لأنه لم يكن هناك نعاج.

وقوله تعالى: {وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ؛} أي امرأة واحدة، {فَقالَ أَكْفِلْنِيها؛} أي ضمّها إليّ واجعلني كبعلها أعولها. والمعنى: طلّقها حتى أتزوّجها، وقال ابن


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير الكبير: ج ١٠ ص ٣٢٣٨.وقال ابن كثير في التفسير: ج ٤ ص ٣٢: (وقد ذكر المفسرون قصة أكثرها مأخوذ من الاسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه، ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثا لا يصح سنده؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه، ويزيد وإن كان من الصالحين، ولكنه ضعيف الحديث عند الأئمة، فالأولى أن يقتصر في رواية هذه القصة وأن يردّ علمها إلى الله عزّ وجلّ).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢٢٩١٤) بلفظ: (ولا تحف)

<<  <  ج: ص:  >  >>