للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ؛} معناه:

أو لم يعلموا أنّ الله يوسع الرزق على من يشاء ويضيّق على من يشاء، كلّ ذلك من عنده لا بحول الإنسان وقوته، {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (٥٢)؛إنّ في البسط والتقتير لآيات لقوم يصدّقون أنّها من الله تعالى.

قوله تعالى: {*قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ؛} قال ابن عبّاس رضي الله عنه: (إنّ هذه الآية نزلت في وحشي وأصحابه الّذين قتلوا حمزة عمّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وجماعة من المؤمنين، أرسلوا إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رسولا يطلبون التّوبة، فأنزل هذه الآية) (١).

وعن ابن عبّاس رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى وحشي يدعوه إلى الإسلام، فأرسل إليه: يا محمّد كيف تدعوني إلى دينك وأنت تزعم أنّه من قتل أو أشرك أو زنى يلق أثاما، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا؟! وأنا قد فعلت ذلك كلّه، فهل تجد لي فيه رخصة؟ فأنزل الله تعالى {إِلاّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً} (٢).

فقال وحشي: هذا شرط شديد لا أقدر على هذا، فهل غير ذلك؟ فأنزل الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} (٣) وقال وحشي:

وإنّي في شبهة فلا أدري أيغفر لي أم لا، فهل غير ذلك؟ فأنزل الله {(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ)} فجاء وحشي فأسلم، فقال المسلمون: هذه له خاصّة أم للمسلمين عامة؟ فقال: [بل للمسلمين عامّة] (٤).

معنى الآية: قل يا عبادي الذي جاوزوا الحدّ في المعاصي بالكفر والزّنا والقتل ونحوها: لا تيأسوا من رحمة الله، {إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً؛} أي الصغائر


(١) ذكره ابن أبي حاتم في التفسير الكبير: الأثر (١٨٤٠١).وذكره الفراء في معاني القرآن: ج ٢ ص ٤٢١.
(٢) الفرقان ٧٠/.
(٣) النساء ٤٨/.
(٤) في الدر المنثور: ج ٧ ص ٢٣٥؛ قال السيوطي: (أخرجه الطبري وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان بسند لين عن ابن عباس رضي الله عنهما) وذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>