والتّوب: جمع التّوبة، ويجوز أن يكون مصدرا من تاب يتوب توبا، قوله تعالى:
{ذِي الطَّوْلِ؛} أي ذي الغنى عمّن لا يوحّده ولا يقول: لا إله إلاّ الله. وقال الكلبيّ:(ذو الفضل على عباده والمانّ عليهم)،وقال مجاهد:(ذو السّعة والغنى).
قوله تعالى:{لا إِلهَ إِلاّ هُوَ؛} أي لا معبود للخلق سواه، {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}(٢)؛أي مصير من آمن، ومصير من لم يؤمن، وعن الحسن رضي الله عنه:(أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه سأل عن بعض إخوانه الّذين كانوا بالشّام، فقال: ما فعل أخي فلان؟ وقالوا: ذاك أخو الشّيطان يخالط أهل الأشرفيّة وخالف أصحابه. فقال: إذا خرجتم إلى الشّام فآذنوني. فلمّا أرادوا الخروج أعلموه، فكتب:
من عبد الله عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين إلى فلان بن فلان. بسم الله الرّحمن الرّحيم. سلام عليك؛ فإنّي أحمد إليك الله الّذي لا إله إلاّ هو.
أمّا بعد: فإنّ الله تعالى قال: {(حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ... )} إلى قوله {(إِلَيْهِ الْمَصِيرُ)}.والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته.
فلمّا جاءه الكتاب قالوا له: اقرأ كتابك أيّها الرّجل، فلمّا قرأ {(الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)} قال: عليم بما أصنع، {(غافِرِ الذَّنْبِ)} إن استغفرت غفر لي، و {(قابِلِ التَّوْبِ)} إن أنا تبت ليقبل توبتي، {(شَدِيدِ الْعِقابِ)} إن لم أفعل عاقبني {(ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ)}.ثمّ قال: صدق الله ونصح عمر رضي الله عنه، فأقبل بطريقة حسنة إلى أن مات.
فلمّا بلغ عمر أمره، قال: هكذا فاصنعوا؛ إذا رأيتم أخاكم نزل فشدّدوه ووفّقوه، وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشّيطان عليه) (١).
قوله تعالى:{ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا؛} أي ما يخاصم في آيات الله لتكذيبها والطّعن فيها والمراء عليها إلاّ الذين كفروا، {فَلا يَغْرُرْكَ}
(١) أخرج القصة من وجه آخر ابن أبي حاتم في التفسير الكبير: الأثر (١٨٤١٦ و ١٨٤١٧).وأورد القصة بألفاظ قريبة القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج ١٥ ص ٢٩١.