للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقديره فمحاها وأعادها لعليّ فكتب، أي أمره بالكتابة، وهو كثير كقوله:

كتب إلى قيصر، وكتب إلى كسرى، فلا يلزم أنه هو الذي يكتب، بل يملي على كاتبه، فعدّ إملاؤه كتابة.

الثاني: جاء في نصّ الحديث سؤال الرسول سيدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم لكاتبه أن يريه مكانها، فقال: [أرني مكانها] فلو كان يعرف شكل الحرف أو الكتابة أو القراءة لما احتاج السؤال ولو كانت من ضروب المعجزة والأمر الخارق للعادة ما احتاج السؤال أيضا. لهذا لا يصحّ مثل هذا الفهم، فهو بعيد جدا.

الثالث: أنه جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم احتاج تعلّم لغة قوم أعداء، فطلب من كتّابه فعل ذلك وكفايته أمرهم، عن زيد بن ثابت قال:

أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أتعلم له كتابة يهود، قال: [إنّي والله لا آمن يهود على كتاب]،قال زيد: فما مرّ بي نصف شهر حتى تعلّمته له. قال:

فلمّا تعلّمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم] (١).

الرابع: إن الكتابة من الأمور الإدارية والتراتيب الفنية التي لا يحتاجها الأمير لنفسه، وله أن يوكّل من ينوب بها عنه ويقرّ شأنها وينفذه بعد أن يطلع عليه؛ فهي تراتيب إدارية ومدنية. وليس مطلب المعجزة فيها بمكان متميّز بل غير مطلوب، لهذا من هذا الوجه يستبعد التأويل بأن الرسول سيدنا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم كان يعرف الكتابة أو شكل الحروف. قال القرطبي: قلت: وقال بعض المتأخّرين من قال هي آية خارقة، فيقال له: كانت تكون آية لا تنكر لولا أنّها مناقضة لآية أخرى وهي كونه أميّا لا يكتب، وبكونه أميّا في أمّة أمّيّة قامت الحجّة؛ وأفحم الجاحدون، وانحسمت الشبهة فكيف يطلق الله يده فيكتب وتكون آية. وإنما الآية ألاّ يكتب، والمعجزات يستحيل أن يدفع


(١) الجامع الصحيح للترمذي: كتاب الاستئذان، باب ما جاء في علم السريانية: الحديث (٢٧١٥) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>