للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نساء، وخلق لكم، {وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً؛} ذكورا وإناثا لتكمل منافعكم بها، يعني خلق الذكر والأنثى من الحيوان كلّه. قوله تعالى: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ؛} أي يخلقكم في الرّحم ويكثركم بالتزويج، ولولاه لم يكن الناس.

وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ؛} في العلم والقدرة والتدبير، {وَهُوَ السَّمِيعُ؛} بمقالة العباد، {الْبَصِيرُ} (١١)؛بأعمالهم، والكاف في {(كَمِثْلِهِ)} زائدة مؤكّدة، والمعنى: ليس مثله شيء، إذ لا يجوز أن يقال: ليس مثل مثله شيء؛ لأن من قال ذلك فقد أثبت المثل لله سبحانه وتعالى عن ذلك علوّا كبيرا.

قوله تعالى: {لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ؛} أي له مفاتيحها، قال ابن عبّاس: (يريد مفاتيح الرّزق في السّماوات والأرض) (١).وقال الكلبيّ: (مقاليد السّماوات خزائن المطر، وخزائن الأرض النّبات) (١).والمعنى أنه يقدر على فتحها، يملك فتح السّماء بالمطر، وفتح الأرض بالنبات، يدلّ على هذا قوله تعالى: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ؛} أي يوسّعه على من يشاء، ويضيّقه على من يشاء؛ لأن مفاتيح الرزق بيده، {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (١٢)؛من البسط والضّيق ما لا يفعل ذلك جزافا، ولكن يرزق كلّ أحد على ما توجبه الحكمة.

قوله تعالى: {*شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ؛} أي بيّن وأوضح من الدين، {ما وَصّى بِهِ نُوحاً؛} يعني التوحيد، {وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ؛} من القرآن وشرائع الإسلام، {وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى؛} وشرع لكم ما وصّى به إبراهيم وموسى وعيسى.

ثم بيّن ما وصّى به هؤلاء فقال: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ؛} يعني التوحيد، {وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ؛} أي لا تختلفوا في التوحيد، قال مجاهد: (يعني شرع لكم ولمن قبلكم من الأنبياء دينا واحدا (٢)؛لأنّ الله تعالى لم يبعث نبيّا إلاّ وصّاه بإقامة الصّلاة


(١) نقله البغوي في معالم التنزيل: ص ١١٥٦.
(٢) في الدر المنثور: ج ٧ ص ٣٣٩؛ قال السيوطي: (أخرجه الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد) وذكره. وأخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢٣٦٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>