وقوله تعالى {(لَدَيْنا)} يريد الذي عندنا نخبر عن فضيلته ومنزلته وشرفه أن كذبتم به يا أهل مكّة، فإنه عندنا شريف رفيع محكم من الباطل. ويقال: ذو حكمة لا يحتمل الزيادة والنّقصان، والتبديل والتغيير.
قوله تعالى:{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ}(٥)؛قال الكلبيّ:(يقول الله لأهل مكّة: أفنترك عنكم الوحي صفحا فلا نأمركم ولا ننهاكم ولا نرسل إليكم رسولا؟ وهذا استفهام معناه الإنكار؛ أي لا نفعل ذلك).
ومعنى الآية: أفنمسك عن إنزال القرآن ونهملكم فلا نعرّفكم ما يجب عليكم من أجل أنّكم أسرفتم في كفركم، وهو قوله تعالى: {(أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ)}،والمعنى:
لإن كنتم، والكسر في {(أَنْ)} على أنه جزاء استغنى عن جوابه بما تقدّمه، كما تقول:
أنت ظالم إن فعلت كذا، ومثله {لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ} بالفتح والكسر، وقد تقدّم.
ومعنى الآية: أفنضرب عنكم تذكّرنا إيّاكم الواجب ونترككم بلا أمر ولا نهي معرضين عنكم لئن أسرفتم. والصّفح في اللغة: هو الإعراض، يقال: صفح عن دينه أي أعرض عنه، «صفح»(١) فلان عنّي بوجهه؛ أي أعرض، وهو في صفات الله بمعنى العفو، يقال: أصفح عن دينه؛ أي أعرض عنه. والإضراب والضّرب في الكلام كلاهما بمعنى الإعراض والعدول.
قوله تعالى: {وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} (٧)؛فيه تسلية للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وبيان أنّ دأب كلّ أمة مع رسولهم التكذيب والاستهزاء به، وإنّ من سنة الله تعالى إهلاك المكذّبين، فحدّث أيها الرسول قومك كي لا يسلكوا طريق من قبلهم فينزل بهم من العذاب ما نزل بمن قبلهم.