قوله تعالى:{وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ؛} يعني بني مليح من خزاعة، كانوا يعبدون الملائكة، {(وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ)} أي ما عبدوا الملائكة، وإنما عبدناهم بمشيئة الله تعالى. وإنما كانوا يقولون هذا القول إبلاغا لعذرهم عند سفلتهم، يقول الله تعالى:{ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ؛} بقولهم إنّ الملائكة بنات الله وإنّهم كذبوا في ذلك، وهو قوله تعالى:{إِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ}(٢٠)؛ أي ما هم إلا يكذبون فيما قالوا، ولم يتعرّض لقولهم {(لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ)} بشيء؛ لأن هذا القول حقّ، وإن كان من الكفار، وهذا كقوله:{وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ}(١) أي ولو جعلت قوله {(ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ)} ردّا لقولهم {(لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ)} كان المعنى: أنّهم قالوا: إنّ الله قدّرنا على عبادتهم فلم يعاقبنا لأنه رضي ذلك، وهذا كذب منهم؛ لأنّ الله تعالى وإن قدّر كفر الكافر لا يرضاه، وتقدير الكفر من الكافر لا يكون رضى من الله له.
قوله تعالى:{أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ؛} أي هل أعطيناهم كتابا من قيل القرآن بأن يعبدوا غير الله، {فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ}(٢١)؛أي آخذون بما فيه. ثم أعلم الله أنّهم اتّبعوا آباءهم في الضّلالة فقال تعالى:
{بَلْ قالُوا إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ؛} أي على سنّة وملّة ودين.
ومن قرأ «(على إمّة)» بكسر الهمزة فمعناه: على طريقة؛ أي ليس لهم حجّة إلاّ هذا القول، {وَإِنّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ}(٢٢)؛أي ليس لهم حجّة إلاّ تقليد آبائهم.
فقال الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم:{*قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ؛} معناه: أتتّبعون دين آبائكم وتكفرون مثلهم، ولو جئتكم بأرشد