{آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ}(٨)؛معناه: أنّ الذي دبّر السموات والأرض هو الذي دبّر بإرسال الرّسل رحمة منه، فإن كنتم موقنين بتدبيره في السّماوات والأرض، فأيقنوا إنّما هو مثله. واليقين: ثلج الصّدر بالعلم، ولذلك يقال: وجد برد اليقين، ولا يجوز في صفات الله تعالى: موقن، ويجوز: عليم وعالم.
وقوله تعالى:{بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ؛} يعني الكفار من هذا القرآن، {يَلْعَبُونَ}(٩)؛أي يهزءون به لاهين عنه.
قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) إِنّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ} (١٥)؛وذلك أنّ المشركين بالغوا في إيذاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويئس من إيمانهم به ودعا عليهم فقال:[اللهمّ اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف](١).
فأنزل الله تعالى هذه الآيات، فأخذتهم السّنة حتّى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحرّقة من الجوع، وارتفع القطر وأجدبت الأرض، وكانوا إذا نظروا إلى السّماء رأوا دخّانا بين السّماء والأرض للظّلمة الّتي غشيت أعينهم وأبصارهم من شدّة الجوع. ويقال: يبست الأرض وانقطع الغيث.
والمعنى: فانتظر يا محمّد يوم تأتي السّماء بدخان مبين، فجاء أبو سفيان فقال:
يا محمّد جئت تأمرنا بصلة الرّحم وإنّ قومك قد هلكوا، فادع الله لهم، فقال صلّى الله عليه وسلّم:
[اللهمّ دعوتك فأجبتني، وسألتك فأعطيتني، اللهمّ اسقنا غيثا مغيثا مريّا مريعا طبقا عاجلا غير آجل نافعا غير ضارّ]،فما برح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى أنزل الله المطر.
(١) أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب الاستسقاء: باب دعاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: الحديث (١٠٠٦). ومسلم في الصحيح: كتاب المساجد ومواضع الصلاة: باب استحباب القنوت في جميع الصلوات: الحديث (٦٧٥/ ٢٩٤) وللفظ له.