للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الله تعالى له: {فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً؛} حتى تقطع بهم البحر، {إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} (٢٣)؛يتبعكم فرعون وقومه فيكون ذلك سببا لغرقهم، فسار موسى بمن معه من بني إسرائيل حتى أتى بهم البحر، فضربه بعصاه بأمر الله تعالى فانفلق ودخله أصحابه.

ثم عطف موسى ليضرب البحر بعصاه ليلتئم ويخلط الطريق التي جعلها الله لبني إسرائيل حتى لا يعبر فيها فرعون وقومه، فقيل له:

{وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً؛} أي ساكنا منفتحا على ما هو عليه حتى يدخله فرعون وجنوده، {إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ} (٢٤)؛في حكم الله تعالى.

قال ابن عبّاس: (معنى قوله اتركه رهوا؛ أي اتركه طريقا) (١).والرّهو: يكون بمعنى الفرجة بين الشّيئين، ونظر أعرابيّ إلى فالج؛ فقال: سبحان الله! رهو بين سنامين، فيكون المعنى على هذا: واترك البحر ذا رهو؛ أي ذا فرجة، وهي الطريق التي أظهرها الله تعالى في الماء.

قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ} (٢٦) أي كم ترك فرعون وقومه بعد الغرق من بساتين عامرة بليغة الأشجار، وعيون ظاهرة عذبة فيها زرع ومساكن شريفة حسنة،

{وَنَعْمَةٍ؛} أي وعيش ليّن، {كانُوا فِيها فاكِهِينَ} (٢٧)؛أي ناعمين متعجّبين،

{كَذلِكَ؛} كانت حالهم. وقيل: كذلك أفعل بمن عصاني، {وَأَوْرَثْناها؛} وأورثنا ما تركوه، {قَوْماً آخَرِينَ} (٢٨)؛ وهم بنو إسرائيل، رجعوا بعد هلاك فرعون إلى مصر فصارت أموال قوم فرعون ونعيمهم لهم من غير كلفة ولا مشقّة، كالميراث الذي ينقل من المورث إلى الوارث من غير مشقّة تلحق الوارث، وهذا من غاية إنعام الله على بني إسرائيل.

قوله: {فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ؛} أي ما بكت على فرعون وقومه؛ أي كانوا أهون من أن يبكي عليهم أحد من أهل السّماء والأرض، إنّهم كانوا في مقام الجدي.


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢٤٠٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>