للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعن حفص بن أبي العاص قال: (كنت أتغدّى مع عمر رضي الله عنه فيجيء بخبز متقطّع يابس غليظ، فجعل يأكل منه ويقول لنا: كلوا، فجعل يعتذر فقال: ما لكم لا تأكلون؟ قلنا: لا نأكله والله يا أمير المؤمنين، ما نستطيع لكنّا نرجع إلى طعام ألين من طعامكم هذا.

فقال: يا ابن العاص أما ترى أنّي قادر أن آمر بدقيق أن ينخل بخرقة، وأن يخبز في تنّور، وآمر بعناق سمينة فليسمط عنها شعرها ثمّ تخرج مصليّة كأنّها كذا وكذا، أما ترى أنّي أقدر أن أعمل إلى صاع أو صاعين من زبيب فأجعله في سقاء ثمّ أنشّ عليه من الماء فيصبح كأنّه دم غزال؟ قال: قلت والله يا أمير المؤمنين لجادّ ما نعت العيش؟ قال: أجل والله الّذي لا إله إلاّ هو، لولا أنّي أخاف أن تنقص حسناتي يوم القيامة لشاركتكم في العيش، ولكنّي سمعت الله تعالى يقول: {(أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها)} (١).

وكان يقول: (لا تنخلوا الدّقيق فإنّه كلّه طعام)،وكان عمر رضي الله عنه يتغدّى اللّبن والقديد، وعن الزهريّ رضي الله عنه قال: (حدّثني عبد الله بن عبّاس عن عمر رضي الله عنه أنّه حدّثه: أنّه دخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجده على حصير مرمولا (٢) قد أثّر الشّريط في جنبه متوسّدا وسادة من أدم حشوها ليف، قال عمر رضي الله عنه: فالتفتّ في البيت فو الله ما رأيت شيئا يردّ البصر إلاّ إهابا جلودا معطوفة قد سطع ريحها، فبكيت وقلت: يا رسول الله، إنّك خيرة الله من خلقه، وهذا كسرى وقيصر في الدّيباج والحرير، فاستوى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالسا وقال: [أوفي شكّ أنت يا ابن الخطّاب؟! أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم في حياتهم الدّنيا]) (٣).

وروي: أنّ عمر رضي الله عنه قدم من الشّام، فصنع له طعام طيّبا فقال: هذا لنا! فما لنفوس المسلمين الّذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشّعير؟ فقال خالد بن الوليد:


(١) ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج ١٦ ص ٢٠١.وفي الدر المنثور: ج ٧ ص ٤٤٧، ذكره السيوطي مختصرا وقال: (أخرجه ابن سعد وعبد بن حميد عن حميد بن هلال).
(٢) الأرمل: الرجل الذي لا امرأة له. وفي المخطوط: (سرير مرمولا).
(٣) أخرجه ابن حبان في الإحسان: الحديث (٤١٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>