للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ؛} معناه: اذكر إذ وجّهنا نفرا من الجنّ؛ وذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا آيس من إسلام أهل مكّة، خرج إلى الطّائف ليدعوهم إلى الإسلام، فلمّا انصرف من الطّائف راجعا إلى مكّة (١) ووصل بطن نخلة، قام يقرأ القرآن في صلاة الفجر، فمرّ به نفر من أشراف جنّ نصيبين من اليمن فاستمعوا القرآن.

قال ابن عبّاس: (كانوا تسعة نفر) (٢)،وقال الكلبيّ ومقاتل (٣): (كانوا سبعة صرفوا إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليستمعوا منه وينذروا قومهم).وهو قوله تعالى: {(يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ)}.

فلمّا انتهوا إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال بعضهم لبعض: اسكتوا حتى تستمعوا قراءته، وذلك معنى قوله تعالى: {فَلَمّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا؛} أي فلما فرغ من التلاوة قال بعضهم لبعض: اسكتوا حتى تستمعوا قراءته، وإنما قالوا ذلك لأنهم سمعوا شيئا لم يسمعوا مثله، فلما فرغ من القرآن انصرفوا إلى قومهم مخوّفين لهم بالقرآن، وذلك معنى قوله تعالى: {فَلَمّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} (٢٩)،أي فلما فرغ من التلاوة انصرفوا إلى قومهم منذرين؛ أي محذّرين إياهم عذابا إن لم يؤمنوا، وهذا قاله (٤) سعيد بن جبير وجماعة من أئمّة الخبر.

وقال آخرون: بل أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ينذر الجنّ ويدعوهم إلى الله، فقرأ عليهم القرآن، فصرف الله نفرا من الجنّ وجمعهم له، فقال صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: [إنّي أمرت أن أقرأ على الجنّ اللّيلة، فأيّكم تبعني] فأطرقوا، فقال لهم مرّة ثانية، فأطرقوا، فقال لهم مرّة ثالثة، فاتّبعه عبد الله بن مسعود، قال عبد الله بن مسعود: (لم يحضر معه أحد غيري، فانطلقنا حتّى إذا كنّا بأعلى مكّة دخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شعبا يقال له


(١) في المخطوط: (فلما انصرف إلى مكة راجعا إلى مكة) وهو غير مناسب تماما فأثبتناه.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢٤٢٢٦).
(٣) بمعناه؛ قاله مقاتل في التفسير: ج ٣ ص ٢٢٨.
(٤) في المخطوط: (وهذه مقولة).

<<  <  ج: ص:  >  >>