للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزاء والرّحمة والمغفرة، ثم يأمركم بالإنفاق لحاجته ولا لجرّ منفعة ولا لدفع مضرّة، وإنما أمركم بذلك لمصالحكم.

قوله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ؛} أي وإن تعرضوا عن طاعة الله يستبدل قوما لا يعصون ويفعلون ما يؤمرون، وقيل: معناه: وإن تعرضوا عن الإسلام وعمّا افترض عليكم من حقّ يستبدل قوما غيركم أطوع لله منكم، {ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ} (٣٨)؛بل يكون أمثل منكم وأطوع. قال الكلبيّ:

(هم كندة والنّخع)،وقال الحسن: (هم العجم)،قال عكرمة: (هم فارس والرّوم) (١).

وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه سئل عن هذه الآية؛ فقيل: يا رسول الله من هؤلاء الّذين إن تولّينا استبدلوا ثمّ لا يكونوا أمثالنا؟ فضرب رسول الله في صدر سلمان الفارسيّ-وقيل: على فخذه-وقال: [هذا وأصحابه].وقال: [والّذي نفسي بيده، لو كان الإيمان معلّقا بالثّريّا لتناوله رجال من أبناء فارس] (٢).قال الكلبيّ في قوله:

{(وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ)} قال: (لم يتولّوا ولم يستبدل بهم) (٣).

آخر تفسير سورة (محمد) والحمد لله رب العالمين.


(١) ذكر البغوي هذه الأقوال الثلاثة للكلبي والحسن وعكرمة في معالم التنزيل: ص ١٢٠٠.
(٢) أخرجه بألفاظه الطبري في جامع البيان: الحديث (٢٤٣٣٧) عن أبي هريرة رضي الله عنه. وابن أبي حاتم في التفسير الكبير: الحديث (١٨٥٩٢ و ١٨٥٩٣).والطبراني في المعجم الأوسط: ج ٩ ص ٣٨٧:الحديث (٨٨٣٣).وابن حبان في الإحسان: كتاب إخباره صلّى الله عليه وسلّم عن مناقب الصحابة: الحديث (٧١٢٣) وإسناده صحيح.
(٣) لم يتولّ العرب عن حمل مسئولية الاسلام، ولا المسلمون عن أداء الأمانة في إنفاذ الشريعة وحتى غياب الخلافة في بدايات القرن الرابع عشر من الهجرة، حيث تمكن الكفار من هدم الخلافة وتعطيل الشريعة بالقوة وليس بالإقناع، ولم يرجع المسلمون عن إيمانهم.
ومن وجه آخر فإن هذا الحديث تشريف لسيدنا سلمان الفارسي وليس تخصيصا للقوم، قال مجاهد: (من شاء).ودلالة الآية تفيد تأثيم التخلّي عن تحمّل مسئولية رعاية الدعوة وسياسة الأمّة. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>