للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلمّا أمسوا وهم على ذلك، رمى رجل من المشركين باللّيل في أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فثار المسلمون بالحجارة فرموا أعداء الله حتّى أدخلوهم البيوت وهزموهم بإذن الله. وأقبل أشرافهم إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا محمّد هذا لم يكن عن رضى منّا ولا ممالأة، وإنّما فعله سفهاؤنا، وعرضوا الصّلح على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقبله، ولم يعطهم المشركون الصّلح حتّى قهرهم المسلمون في غير قتال بالرّمي بالحجارة.

فاصطلح الفريقان على أن يتوادعوا سنين، على أن يرجع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه تلك السّنة، فمن لحق بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من المشركين لم يقبله حتّى تنقضي المدّة، ومن لحق بالمشركين من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فهو منهم. على أنّ المسلمين إذا شاءوا اعتمروا العام القابل في هذا الشّهر الّذي صدّهم المشركون فيه، على أن أن لا يحملوا بأرضهم سلاحا.

فصالحهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ذلك، وكتبوا كتاب القضيّة (١) بين النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبينهم، فوجد رجل من المسلمين من ذلك الشّرط وجدا شديدا، فقالوا: يا رسول الله؛ من لحق بنا منهم لم نقبله، ومن لحق بهم منّا فهو منهم؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

[أمّا من لحق بهم منّا فأبعدهم الله، وأمّا من أرادنا منهم فسيجعل الله له مخرجا، وإن يعلم الله منه الصّدق ينجّيه منهم].

فلمّا فرغوا من كتاب القضيّة، أقبل جندل بن سهيل وهو يرشف في قيوده، وكان أبوه قد أوثقه حين خشي أن يذهب إلى رسول الله، فجاء حتّى وقع بين ظهران المسلمين؛ وقال: إنّي منكم وإنّي أعوذ بالله أن ترجعوني إلى الكفّار.

فأراد رجال من المسلمين أن يمنعوه، وناشدهم سهيل بن عمرو العهد والميثاق! فقال صلّى الله عليه وسلّم: [خلّوا بينهم وبينه؛ فسينجّيه الله منهم].فانطلق به أبوه، وكان ماء الحديبية قد قلّ من كثرة من مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتي بدلو من الماء، فتوضّأ منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتمضمض ثمّ مجّه في الدّلو، ثمّ أمرهم أن يجعلوه في البئر، فامتلأت البئر ماء حتّى جعلوا يغرفون منه وهم جلوس على شفة البئر، وكان هذا شأن الحديبية.


(١) هكذا في المخطوط: (كتاب القضية).

<<  <  ج: ص:  >  >>