للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صلّى الله عليه وسلّم تحت شجرة استظلّ بها بالحديبية، وكان الذين بايعوه نحو ألف رجل وخمسمائة رجل، بايعوه على النّصرة والنّصح والسمع والطاعة، وأن لا يفرّوا من العدوّ.

ومعنى الآية: إنّ الذين يبايعونك يا محمّد بالحديبية على أن لا يفرّوا، إنما يبايعون في ذات الله، ليس أنت المراد بذلك، بل المراد به القيام بعبادة الله. وقيل: المراد بذلك أنّهم باعوا الله أنفسهم بالجنّة.

وقوله تعالى: {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ؛} أي نعمة الله في الهداية فوق أيديهم في الطاعة، يعني إحسان الله إليهم بأن هداهم للإيمان أبلغ وأتمّ من إحسانهم إليك بالنّصرة والبيعة، وقال ابن كيسان (١): (معناه: قوّة الله ونصرته فوق أيديهم ونصرتهم؛ أي اتّق بالله ونصرته لك لا بنصرتهم، وإن بايعوك)،وقال: (معناه: يد الله في الثّواب والوفاء لهم فوق أيديهم في الوفاء، فإنّهم لو وفّوا بما ضمنوا فالله أوفى بما ضمن، وأقدر على ذلك).واليد ههنا هي القدرة.

قوله: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ؛} أي من نقض عقد البيعة فضرر نقضه عائد عليه، وليس له الجنّة ولا كرامة، {وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ؛} من البيعة فتمّ على ذلك واستقام، {فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} (١٠)؛ فسيعطيه الله في الآخرة ثوابا عظيما في الجنة.

وروي أنّ هؤلاء المبايعين لم ينقض أحد منهم البيعة؛ لأنّهم كانوا مخلصين، ولذلك قال الله (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشّجرة) رضاه عنهم دليل على أنّهم كانوا مؤمنين على الحقيقة، أولياء الله أهل النّصرة، والذي لم يدخل معهم في البيعة يومئذ إلا رجل من المنافقين يقال له جدّ بن قيس، اختبأ يومئذ تحت إبط بعيره ولم يدخل في بيعتهم، أماته الله على نفاقه (٢).


(١) ابن كيسان: عبد الرحمن بن كيسان، أبو بكر الأصم، المعتزلي، صاحب المقالات في الأصول، كان من أفصح الناس وأورعهم وأفقههم. قال ابن حجر: (هو من طبقة أبي الهذيل العلاف، وأقدم منه) له تفسير القرآن، أفاد منه الثعلبي في كتابة الكشف. ترجم له ابن حجر في لسان الميزان: ج ٣ ص ٤٢٥:الرقم (١٦٨٥).
(٢) ذكره ابن هشام في السيرة النبوية: ج ٣ ص ١٣٠.وأخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢٤٣٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>