للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معنى قوله (بالغيب) {وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} (٣٣)؛أي جاء بقلب مخلص راجع عن معاصي الله إلى طاعته، والقلب المنيب: هو التّائب، وموضع (من خشي) الخفض على نعت الأوّاب.

وقوله تعالى: {اُدْخُلُوها بِسَلامٍ؛} يعني سلامة من الهموم والعذاب وأمان من كلّ مكروه، {ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} (٣٤)؛في الجنّة لأنه لا موت فيها ولا فناء ولا انقطاع،

{لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها؛} من أنواع النّعيم، {وَلَدَيْنا مَزِيدٌ} (٣٥)؛أي نزيدهم من عندنا ما لم يسألوه، ولا خطر على قلوب، ولا بلغته أفهامهم، وقال جابر: (المزيد هو النّظر إلى وجه الله الكريم بلا كيف) (١).

قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً؛} هذا تخويف لأهل مكّة؛ أي كم أهلكنا من قوم هم أشدّ منهم بطشا، {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ؛} أي ساروا وتقلّبوا وطافوا في البلاد. وأصله من النّقب وهو الطريق؛ وكأنّهم سلكوا كلّ طريق فلم يجدوا مخلصا عن أمر الله.

قال الزجّاج: (لم يروا مخلصا من الموت، كأنّهم ضربوا في الأرض مع شدّة شوكتهم وبطشهم، وفي هذا إنذار لأهل مكّة أنّهم على مثل سبيلهم لا يجدون مفرّا من الموت، يموتون فيصيرون إلى عذاب الله) (٢).

قرأ الحسن: «(فنقبوا)» بالتخفيف، وقرأ السّلمي على اللفظ الأمر على التهديد والوعيد؛ أي أقبلوا في البلاد وأدبروا يا أهل مكّة وتصرّفوا منها كلّ متصرّف، وسيروا في الأرض فانظروا، {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى؛} أي إنّ ما صنع بهم من هلاك القرى لعبرة وعظة؛ {لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ،} عقل وحزم وبصيرة، {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ؛} أي استمع ما يقال له على جهة التّفهّم، يقول العرب: ألق سمعك؛ أي استمع منّي؛ {وَهُوَ شَهِيدٌ} (٣٧)؛أي شاهد القلب حاضره غير غافل ولا ساه.


(١) ذكره البغوي في معالم التنزيل: ص ١٢٣٠.
(٢) لم أجده في معاني القرآن وإعرابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>