للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال الضحّاك: (معناه: والقرآن إذا نزل ثلاث آيات أو أربع آيات وسورة، كان أوّل القرآن وآخره ثلاث وعشرين سنة، أقسم الله بالقرآن إذ نزل نجوما متفرّقة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم).

وذلك: أنّ كفّار مكّة قالوا: إنّ محمّدا يقول القرآن من تلقاء نفسه، فأقسم الله بالقرآن ونزوله نجما بعد نجم، أنّ محمّدا لم ينطق إلاّ عن وحي يوحى، وإنه لم ينطق به من هوى نفسه.

وقوله تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى} (٥)؛يعني جبريل عليه السّلام هو شديد البنية والخلقة، ومن قوّة جبريل: أنه أدخل جناحه تحت قريات قوم لوط فقلعها من الماء الأسود ورفعها إلى السّماء، ثم قلبها فأقبلت تهوي من السّماء إلى الأرض، وكان من شدّته أيضا أنه أبصر إبليس وهو يكلّم عيسى عليه السّلام على بعض أعتاب الأرض المقدّسة، فنفخه بجناحه نفخة ألقاه إلى أقصى جبل بالهند، وكان من شدّته أيضا أنه أهلك بصيحته ثمود فأصبحوا جاثمين.

قوله تعالى: {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى} (٦)؛أي جبريل عليه السّلام ذو قوّة وشدّة في خلقه. وقيل: ذو منظر حسن، قال قطرب: (يقول العرب لكلّ جزل الرّأي حصيف العقل: ذو مرّة).قال الشاعر:

قد كنت قبل لقائكم ذا مرّة ... عندي لكلّ مخاصم ميزانه

وكان من جزالة رأيه وحصافة عقله إنّ الله تعالى ائتمنه على تبليغ وحيه إلى جميع رسله.

وقوله تعالى {(فَاسْتَوى)} يعني جبريل، وقيل: المعنى: (ذو مرّة) أي ذو مرور في الجوّ منحدر أو صاعد على السّرعة. وقوله تعالى (فاستوى) أي فانتصب واقعا على صورة الملائكة التي خلقه الله عليها، فرآه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم منتصبا في السّماء بعد أن كان مسرعا، فاستوى في أفق المشرق في رأي العين، كما روي في الحديث: [أنّه طبق الأفق

<<  <  ج: ص:  >  >>