للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأمر الله الناس بتقديم الصّدقة على نجواهم مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إعظاما له وتوقيرا لمقام مناجاته، ونفعا للفقراء بتلك الصّدقة، وبيّن أنّ ذلك خير لهم من الكفّ عن الصدقة وأصلح لقلوبهم وقلوب الفقراء، ورخّص من لم يجد ما يتصدّق به أن يكلّم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بما شاء من غير صدقة، وهو قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (١٢).

فلمّا علم الله ضيق صدر كثير منهم من ذلك الوجوب نسخ الله ذلك الحكم بقوله: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ؛} معناه: أبخلتم يا أهل الميسرة، وثقل عليكم تقديم الصّدقة بين نجواكم مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ؛} وخفّف الله عنكم بإسقاط تلك الصّدقة، {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ؛} أي داوموا عليها، يعني الصّلاة المفروضة، {وَآتُوا الزَّكاةَ؛} المفروضة، {وَأَطِيعُوا اللهَ؛} في الفرائض، {وَرَسُولَهُ؛} في السّنن، {وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ} (١٣) من الخير والشرّ.

وعن عليّ رضي الله عنه قال: (إنّ في كتاب الله آية ما عمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي وهي آية النّجوى، كان لي مثقال فبعته بعشرة دراهم، فكلّما أردت أن أناجي رسول الله قدّمت درهما، فقدّمت هذه الصّدقات بين يدي نجواي، ثمّ نسخت) (١).قال مجاهد: (نهوا عن مناجاة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى يتصدّقوا، فلم يناجه إلاّ عليّ كرّم الله وجهه، قدّم دينارا فتصدّق به، فنزلت الرّخصة) (٢).

قوله تعالى: {*أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ؛} نزلت هذه الآية في قوم من المنافقين كانوا يتولّون اليهود وينقلون أسرار المسلمين إليهم مغايظة لهم، ولم يكونوا من المؤمنين ولا من اليهود، وكانوا يحلفون للمؤمنين بأنّا مؤمنون مصدّقون، وهم يعلمون أنّهم كاذبون في حلفهم، قال الله


(١) أخرجه الحاكم في المستدرك: كتاب التفسير: سورة المجادلة: الحديث (٣٨٤٦)،وقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين) وليس فيه علي بن علقمة الأنماري.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢٦١٦٩) بأسانيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>