دين الحقّ ليظهره على جميع الأديان، وإن كره المشركون ذلك، فلا تقوم السّاعة حتى لا يبقى أهل دين إلاّ دخلوا في الإسلام وأدّوا الجزية إلى المسلمين.
وقوله تعالى قبل هذه الآية {(يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ)} يريدون ليغلبوا دين الله مع ظهوره وقوّته بتكذيبهم بألسنتهم، كمن أراد إطفاء نور الشمس بأخفّ الأشياء وهو الريح التي يخرجها من فيه {(وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ)} أي هداه ومظهر دينه، وغالب أعدائه وناصر أوليائه على عدوهم من الكفار.
قوله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ}(١٠)؛أي هل أدلّكم على طاعة تخلّصكم من عذاب مؤلم. وإنما سمّيت الطاعة تجارة لأنه يربح عليها الجنة والثواب كما يربح على تجارة الدّنيا زيادة المال.
وقوله تعالى:{تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؛} تفسير للتجارة المذكورة، وإنّما قدّم ذكر الإيمان في هذه الآية لأنه رأس الطاعات، وقوله تعالى:{وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ؛} أي وتجاهدون العدوّ في طاعة الله بنفقتكم وخروجكم من أنفسكم، وقد تكون الطاعات بالمال دون النفس بأن يجهّز غازيا بماله، وقد تكون بالنفس دون المال بأن يجاهد بنفسه بمال غيره.
قوله تعالى:{ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ؛} أي التجارة التي دللتكم عليها خير من التجارة في الأموال، {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(١١)؛ثواب الله، لأن تلك التجارة تؤدّي الى ربح لا يزول ولا يبيد بخلاف التجارة في الأموال في أمور الدّنيا.
قوله تعالى:{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ؛} إنما جزم (يغفر) على المعنى، تقديره: إن فعلتم ذلك يغفر لكم، وقال الزجّاج:(هو جواب تؤمنون وتجاهدون؛ لأنّ معناه الأمر، كأنّه قال: آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا يغفر لكم)(١).
(١) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ج ٥ ص ١٣١.