للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأنا أحمل إليك دأبته، وإنّي أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتله يمشي بين النّاس، فأخاف أن أقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النّار، فقال صلّى الله عليه وسلّم: [بل ترفق به وتحسن صحبته ما بقي معنا] (١).

وكذلك جاء أسيد بن حضير إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله لقد كنت في ساعة لم يكن يمشى فيها (٢)،فقال له: [أوما بلغك ما قال صاحبك؟ زعم أنّه إن رجع إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ] فقال أسيد: بل أنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز، فو الله يا رسول الله لقد جاء الله بك، وإنّ قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه، فهو يرى أنّك سلبته ملكه (٣).

ثم سار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى وافى المدينة، فأنزل الله هذه الآية {(هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتّى يَنْفَضُّوا)} الآية إلى قوله: {وَلِلّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ؛} فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأذن زيد فقال: [يا زيد إنّ الله صدّقك].

وكان عبد الله بن أبيّ بقرب المدينة، فلمّا أراد أن يدخلها جاء ابنه عبد الله حتّى أناخ على مجامع طرق المدينة ومنع أباه أن يدخلها، فقال له: ما لك؟ قال: ويلك! والله لا تدخلها أبدا إلاّ أن يأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولتعلمنّ اليوم من الأعزّ ومن الأذلّ.

فشكا عبد الله إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما منع ابنه، فأرسل إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: [أن دعه يدخل] فقال: أمّا إذا جاء أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنعم. فلبث بعد أن دخل أيّاما قلائل ثمّ مرض ومات.


(١) أخرجه هذه الروايات الطبري في جامع البيان: (٢٦٤٦٣ - ٢٦٤٨٢).وذكره ابن هشام في السيرة النبوية: غزوة بني المصطلق: ج ٣ ص ٣٠٢ - ٣٠٤.
(٢) في السيرة النبوية لابن هشام: ج ٣ ص ٣٠٤؛ قال: (يا نبيّ الله، والله لقد رحت في ساعة منكرة، ما كنت تروح في مثلها؛ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ... ).
(٣) السيرة النبوية لابن هشام: ج ٣ ص ٣٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>