قوله تعالى:{أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ؛} فيه تنبيه على أنه إن أراد الله تعذيبهم ليس لهم منعه، ولا أحد يصرف عنهم العذاب، ولفظ الجند موحّد، وهذا استفهام إنكار؛ أي لا جند لكم ينصركم ويمنعكم من عذاب الله. قال ابن عبّاس:(معنى ينصركم: يمنعكم منّي إن أردت عذابكم).قوله تعالى:{إِنِ الْكافِرُونَ إِلاّ فِي غُرُورٍ}(٢٠)؛أي في غرور من الشّيطان، يغرّهم بأنّ العذاب لا ينزل بهم.
قوله تعالى:{أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ؛} معناه: هل يقدر أحد من معبودكم أن يوصل إليكم أرزاقكم إن حبس الله عنكم المطر والنبات، {بَلْ لَجُّوا؛} بل لجّ الكافرون {فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ}(٢١)؛أي في مجاوزة الحدّ في الطّغيان والتباعد عن سماع الحقّ وقبوله، وليسوا يعتبرون ولا يتفكّرون، لجّوا في طغيانهم وتماديهم وتباعدهم عن الإيمان.
قوله تعالى:{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}(٢٢)؛معناه: أفمن يمشي ناكسا رأسه على وجهه لا يرى ما يصدمه أو يهجم عليه من حفرة، أو بئر في طريقه، فلا ينظر يمينا ولا شمالا، يمشي مشي العميان؛ وهو مثل الكافر يقول: أهدي صوب طريقا أم المؤمن الذي يمشي مستويا على طريق مستقيم، يعني الإسلام.
وإنما شبّه الكافر بالمكب على وجهه؛ لأنه ضالّ أعمى القلب عن الهدى، وقال قتادة:(هذا في الآخرة) معناه: أفمن يمشي مكبّا على النار يوم القيامة أهدى أم من يمشي على طريق الجنة؟ كما قال تعالى في الكفّار {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً}(١).
قوله تعالى:{قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ؛} أي قل لهم يا محمّد: هو الذي خلقكم وخلق لكم السمع فاستمعوا إلى الحقّ، والأبصار فأبصروا بها الحقّ، والأفئدة فاعلموا بها الحقّ، {قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ}(٢٣)،نعم الله عليكم.