للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويقال لهم: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً؛} أي كلوا واشربوا في الجنّة، {بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيّامِ الْخالِيَةِ} (٢٤)؛بما قدّمتم في الأيام الماضية من الأعمال الصالحة، ويعني بالأيام الماضية أيام الدّنيا. والهناء: ما لا يكون فيه أذى من بول ولا غائط، ولا يعقبه دار ولا موت.

وكان ابن عبّاس يقول: (بما أسلفتم في الأيّام الخالية: الصّوم في الأيّام الحارّة).كما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: [إنّ من أبواب الجنّة بابا يدعى الرّيّان، من دخله لا يظمأ أبدا، يدخله الصّائمون، ثمّ يغلق عليهم فلا يدخل معهم غيرهم] (١).

ويقال: إنّ الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامة: يا أوليائي ما نظرت إليكم في الدّنيا، قد قلصت شفاهكم من العطش، وغارت أعينكم وخمصت بطونكم، فكونوا اليوم في نعيمكم، فكلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيّام الخالية (٢).

قوله تعالى: {وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ؛} قال ابن السائب: (تلوى يده اليسرى خلف ظهره، ثمّ يعطى كتابه).وقيل: ينزع من صدره إلى خلف ظهره، {فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ} (٢٦)؛قال الكلبيّ رحمه الله: (نزلت الآية الأولى قوله تعالى {(فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ)} في أبي سلمة ابن عبد الأسد زوج أمّ سلمة، وكان مسلما يعطيه الملك كتابه بيمينه صحيفة منشورة يقرأ سيّئاته في باطنه، ويقرأ النّاس حسناته في ظاهره، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد أن قد غفر له، فيقول: {(هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ)} ثمّ صارت عامّة للمسلمين).

قال الكلبيّ: ونزلت هذه الآية الثّانية في أخي أبي سلمة، وهو الأسود بن عبد الأسد، وكان كافرا يعطيه الملك الّذي يكتب أعماله كتابا من وراء ظهره، فيجد حسناته غير مقبولة، وسيّئاته غير مغفورة، فيسودّ وجهه ويقول: {(يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ}


(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: ج ٦ ص ١٣٤:الحديث (٥٧٥٤).والبخاري في الصحيح: كتاب الصوم: باب الريان للصائمين: الحديث (١٨٩٦).والترمذي في الجامع: كتاب الصوم: باب ما جاء في فضل الصوم: الحديث (٧٦٥).
(٢) في الدر المنثور: ج ٨ ص ٢٧٢؛ قال السيوطي: (أخرجه ابن المنذر عن يوسف بن يعقوب الحنفي قال: ... ) وذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>