قوله تعالى:{عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ}(٣٧)؛أي عن يمين النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وشماله حلقا حلقا، وجماعة جماعة، وعصبة عصبة، والعزين: جماعة في تفرقة، واحدتها عزة، ونظيرها ثبة وثبين.
وكان هؤلاء الكفّار يقولون: إن كان أصحاب محمّد يدخلون الجنة، فإنّا ندخلها قبلهم، فقال الله تعالى: {أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاّ،} لا يكون ذلك، {إِنّا خَلَقْناهُمْ مِمّا يَعْلَمُونَ}(٣٩)؛أي من المقاذير والأنجاس والنّطف والعلق، فأيّ شيء لهم يدخلون به الجنّة، ومن حكمنا في بني آدم أن لا يدخل أحد منهم الجنّة إلاّ بالإيمان والعمل الصالح، فماذا يطمعهم في ذلك وهم كفّار؟ وفي هذا تنبيه على أنّ الناس كلّهم من أصل واحد، وإنما يتفاضلون بالإيمان والطاعة.
قرأ الحسن وطلحة «(يدخل)» بفتح الياء وضمّ الخاء، ومعنى: إنّا خلقناهم مما يعلمون، يعني لا يستوجب أحد الجنّة بكونه شريفا، فإنّ مادة الخلق واحدة، بل يستوجبونها بالطاعة. قال قتادة في هذه الآية:(إنّما خلقت يا ابن آدم من قذر فاتّق الله)(١).قال بعضهم: أنّى لابن آدم الكبر؛ وقد خرج من مخرج البول مرّتين، ثم من بطن أمّه متلوّثا بالدّم متلطّخا ببوله وخرائه.
قوله تعالى:{فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ؛} معناه: فأقسم برب مشارق الشّمس ومغاربها في الشّتاء والصيف، يعني مشرق كلّ يوم في السّنة ومغربه، {إِنّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ؛} أي على أن نهلكهم، ونأتي بخلق أطوع لله منهم، {وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ}(٤١)؛أي بمغلوبين بالفوت
{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا؛} أي اتركهم يا محمّد يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في كفرهم، {حَتّى يُلاقُوا؛} يعاينوا، {يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ}(٤٢)؛فيه وهو يوم القيامة، فأنتقم منهم بأعمالهم، وهذا لفظه لفظ الأمر، ومعناه: الوعد. وقيل: إنّ هذه الآية منسوخة بآية القتال.