للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فآمنوا بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم ورجعوا إلى قومهم منذرين، ولم يأتوا إبليس (١).

وقالوا لقومهم: {(إِنّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً)} أي بليغا ذا عجب يعجب من بلاغته وحسن نظمه،

{يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ؛} أي يدعو إلى الصّواب من التوحيد والإيمان، {فَآمَنّا بِهِ؛} وصدّقنا به أنّه من عند الله، {وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً} (٢)؛من بعد هذا اليوم، كما أشرك إبليس.

فاستجاب لهم جماعة من الجنّ فجاءوا بهم إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأقرأهم القرآن فآمنوا به، وقالوا: يا رسول الله إنّ الأرض بيننا وبينك حجل ليس لنا فيه شيء، فقال صلّى الله عليه وسلّم: [لكم الرّوث وكلّ أرض سبخة تنزلون بها تكون مكلّبة لكم، ولكم العظم، وكلّ عظم مررتم عليه تجدون عليه اللّحم حيث يكون] (٢).

ثم يكره أن يستنجى بالعظم والرّوث. ثم انصرفت الجنّ عنه، فأوحى الله إليه بهذه الآيات لبيان أنّ الجنّ لمّا ظهر لهم الحقّ اتبعوه، فالإنس أولى بذلك لأنّهم ولد آدم، فكان المخالف منهم ألوم.

ومعنى الآية: قل يا محمّد لأهل مكّة: أوحي إليّ أنه استمع إلى القرآن طائفة من الجنّ، فلمّا رجعوا إلى قومهم قالوا: يا قومنا {(إِنّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً)} بعد هذا اليوم؛ أي لا نتّبع إبليس في الشّرك،

{وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً} (٣)؛هذا من قول الجنّ لقومهم، معطوف على قوله {(إِنّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً)} وإنّه تعالى جدّ ربنا وعظمته عن أن يتّخذ صاحبة أو ولدا، وهذا كما يقال: فلان أعظم وأجلّ من أن يفعل كذا وكذا،


(١) أصله من حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: ج ١٢ ص ٤١ - ٤٢:الحديث (١٢٤٤٩).والطبري في جامع البيان: الحديث (٢٧١٦٧).ومخرج في الصحيحين أيضا عند البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: باب الجهر بقراءة صلاة الفجر: الحديث (٧٧٣)،وفي تفسير سورة الجن: الحديث (٤٩٢١).
(٢) جزء من حديث طويل، عن ابن مسعود في القراءة على الجن، أخرجه مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: باب الجهر بالقراءة في الصبح: الحديث (٤٥٠/ ١٥٠).والترمذي في الجامع: أبواب التفسير: باب تفسير سورة الأحقاف: الحديث (٣٢٥٨) وقال: حديث حسن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>