أو في الآخرة، {فَسَيَعْلَمُونَ؛} عند ذلك، {مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً}(٢٤) أي من أضعف مانعا وأقلّ جندا، أهم أم المؤمنون؟
فلمّا سمعوا هذا قال النّضر بن الحارث: متى هذا الوعد الذي تعدنا به؟ فأنزل الله:{قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ؛} من العذاب؛ أي ما أدري أقريب هذا العذاب، {أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً}(٢٥)؛أي غاية وبعدا، قال عطاء:
(يعني أنّه لا يعلم يوم القيامة إلاّ الله تعالى وحده)
وهو قوله تعالى:{عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً}(٢٦)؛أي لا يطلع على غيبه أحدا من خلقه،
{إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ؛} فإنه إذا أراد اطلاعه بالوحي على ما يشاء على الغيب، {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً}(٢٧)،أي جعل من بين يدي الرسول ومن خلفه حفظة من الملائكة ليحيطوا به، ويحفظونه، ويحفظوا الوحي من أن تسترقه الشياطين، فتلقيه إلى الكهنة.
وذلك أنّ الله تعالى كان إذا أنزل جبريل بالوحي على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أرسل ملائكة يحيطون به وبالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتى يفرغ من وجهه، كيلا يقرب منه شيطان ولا جانّ يذهبون به إلى كهنتهم حتى يكون النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أوّل من تكلّم به؛ ليكون ذلك دليلا على نبوّته.
قوله تعالى:{لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ؛} أي ليعلم محمّد صلّى الله عليه وسلّم أنّ الملائكة قد أبلغوا رسالات ربهم، وأنّ الرسالة لم تصل إلى غيره. وقيل: ليعلم الجنّ والإنس أنّهم قد أبلغوا. وفي قراءة ابن عبّاس «(ليعلم)» بضم الياء. وهذه الآية تدلّ على أنه يعلم بالنجوم ما يكون من حياة أو موت أو غير ذلك، فهو كافر بالقرآن وبما فيه.
قوله تعالى:{وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ؛} أي أحاط علمه بما عندهم، يعني أحاط علم الله بما عند الرّسل فلم يخف عليه شيء، {وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً}(٢٨) أي علم عدد الأشياء وأوقاتها كلّها مع كثرتها على تفاصيلها، لم يفته علم شيء حتى مثاقيل الذرّ والخردل.