للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وروي: (أنّ هذه الآيات لمّا نزلت قام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، وكان الرّجل من الصّحابة لا يدري متى ثلث اللّيل ومتى النّصف ومتى الثّلثان، فكان يقوم حتّى يصبح مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب، حتّى شقّ عليهم ذلك وانتفخت أقدامهم وتغيّرت ألوانهم، فرحمهم الله تعالى وخفّف عنهم، ونسخ بقوله {(عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى)}،وكان بين أوّل السّورة وآخرها سنة) (١).

وقوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} (٤)؛أي بيّنه بيانا واقرأه قراءة بيّنة. والتّرتيل: ترتيب الحروف على حقّها في تلاوتها بتبيّن وتثبّت من غير عجلة، وكذلك التّرسّل. والمعنى: تفهّم معانيه، وطالب نفسك بالقيام بأحكامه. وأما الحدر فهو الإسراع في القراءة، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: [كانت قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترتيلا] أي ترسّلا (٢).وقال أبو حمزة: «قلت لابن عبّاس: إنّي رجل في قراءتي وكلامي عجلة، فقال ابن عبّاس: لئن أقرأ البقرة وأرتّلها أحبّ إليّ من أن أقرأ القرآن كلّه هذرمة».

قوله تعالى: {إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} (٥)؛ليس على ثقل الحفظ، ولكن قال الحسن: «إنّهم ليهذّون هذاؤه، ولكنّ العمل به ثقيل» (٣).وقال قتادة:

«ثقيل والله فرائضه وحدوده» (٤)،وقال مقاتل: «ثقيل لما فيه من الأمر والحدود» (٥).وقال أبو العالية: «ثقيل بالوعد والوعيد والحلال والحرام، فلا يقدر أحد أن يؤدّي جميع أوامره إلاّ بتكلّف يثقل».


(١) في الدر المنثور: ج ٨ ص ٢١٣؛ قال السيوطي: (أخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس) وذكره.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: بأسانيد (٢٧٢٦٨ - ٢٧٢٧٠) عن الحسن ومجاهد.
(٣) رواه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢٧٢٧٤) بمعناه. والهدّ: سرعة القراءة. وفي الدر المنثور: ج ٨ ص ٣١٤؛ قال السيوطي: (وأخرج العسكري في المواعظ عن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن قول الله تعالى وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً قال: [بيّنه تبيينا، ولا تنثره نثر الدّقل، ولا تهذّه هذّ الشّعر، قفوا عند عجائبه، وحرّكوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدكم آخر السّورة].
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢٧٢٧٥).
(٥) قاله مقاتل في التفسير: ج ٣ ص ٤٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>