قوله تعالى:{إِنّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ؛} يعني نسل آدم خلقه الله من نطفة أمشاج؛ أي أخلاط واحدها مشيج، وهو شيئان مخلوطان، يعني اختلاط نطفة الرّجل بنطفة المرأة، أحدهما أبيض والآخر أصفر، فما كان من عصب وعظم وقوّة فمن نطفة الرجل، وما كان من لحم ودم وشعر فمن نطفة المرأة. وتمّ الكلام، ثم قال:{فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً}(٢)؛معناه: جعلناه سميعا بصيرا لنبتليه.
والأمشاج الاختلاط، يقال: مشجت هذا بهذا؛ أي خلطته به فهو ممشوج؛ أي مخلوط، وقال ابن عبّاس والحسن وعكرمة ومجاهد:«يعني ماء الرّجل وماء المرأة يختلطان في الرّحم، فيكون منهما جميعا الولد، فماء الرّجل أبيض غليظ يجري من الصّلب، وماء المرأة أصفر رقيق يجري من التّرائب، ثمّ يختلطان فأيّهما علا ماؤه ماء صاحبه كان الشّبه له».ويقال: جعل الله في النّطفة أخلاطا من الطبائع التي تكون في الإنسان من الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة، وقال الحسن:«نعم والله خلق الإنسان من نطفة مشجت بدم الحيض، فإذا حلّت النّطفة ارتفع الحيض».
قوله تعالى:{إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ؛} أي بيّنّا له طريق الهدى وطريق الضّلالة، فمكنّاه من الكفر والشّكر، ثمّ إنه يكون بعد الابتلاء:{إِمّا شاكِراً وَإِمّا كَفُوراً}(٣)؛أي إما موحّدا طائعا، وإما مشركا كافرا، والمعنى: إمّا أن يختار طريق الإسلام، وإمّا أن يختار طريق الكفر. ومعنى (نبتليه) أي نتعبّده فيظهر ما علمنا منه، ولا يقع الابتلاء إلاّ بعد تمام الخلقة.
قوله تعالى:{إِنّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً}(٤)، بيّن الله بهذا ما أعدّ في الآخرة للكافرين وما أعدّ للمؤمنين، والمعنى: إنّا هيّأنا في جهنّم لكلّ كافر سلسلة في النار طولها سبعون ذراعا، يسلك فيها وقرناؤه من الشّياطين، وقوله تعالى {(وَأَغْلالاً)} أي أغلالا من حديد تغلّ بها أيديهم إلى أعناقهم من ورائهم. وقوله {(وَسَعِيراً)} أي ونارا موقدة يعذبون بها.