وقوله تعالى:{وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً}(٢١)؛أي شرابا من خمر ليس بنجس، كما كانت خمر الدنيا نجسة. وقيل: شراب من خمر لا يخالطه شيء من الفساد والقبائح ولا ينقلب إلى التغيّر، بل هو من عين على باب الجنّة، من شرب منها نزع الله من قلبه الغلّ والحسد والغشّ، قال أبو العالية:«معناه: أنّه لا يصير بولا نجسا، ولكنّه يصير رشحا في أبدانهم كريح المسك».
قوله تعالى:{إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً؛} أي يقال لهم هذا الثواب والكرامة كان لكم جزاء لأعمالكم في الدّنيا، {وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً}(٢٢)؛أي وكان عملكم في الدنيا مقبولا، هذا معنى الشّكر؛ لأنه لا يكون لأحد على الله منّة يستحقّ بها عليه الشّكر، ولكنّ شكره لعباده قبول طاعاتهم ومغفرة ذنوبهم.
قوله تعالى:{إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً}(٢٣)؛أي إنا نحن نزّلنا عليك القرآن يا محمّد متفرّقا آية وآيتين وثلاث آيات وسورة، وفصّلناه في الإنزال ولم ينزله جملة واحدة.
قوله تعالى:{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ؛} أي اصبر على قضائه، على تبليغ الرسالة، {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً}(٢٤)؛أي لا تطع من مشركي مكّة آثما؛ أي كذابا فاجرا ولا كفورا؛ أي كافرا بنعم الله.
ويعني بقوله (آثما):عتبة بن ربيعة، ويعني بالكفور: الوليد بن المغيرة. وقيل:
الآثم الوليد، والكفور عتبة بن ربيعة، كانا قالا للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ارجع عن هذا الأمر ونحن نرضيك بالمال والتّزويج، وكان عتبة قال للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إن كنت صنعت هذا من أجل النّساء! فلقد علمت قريش أنّ بناتي من أجملها بنات، فأنا أزوّجك بنتي وأسوقها إليك بغير مهر، فارجع عن هذا الأمر. وكان الوليد قال للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إن كنت صنعت هذا يا محمّد من أجل المال! فلقد علمت قريش بأنّي من أكثرهم من المال، فأنا أعطيك من المال حتّى ترضى، فارجع عن هذا الأمر. فأنزل الله تعالى: {(وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً)} (١).
(١) نقله أيضا الثعلبي في الكشف والبيان: ج ١٠ ص ١٠٦،وذكره القرطبي أيضا في الجامع لأحكام القرآن: ج ١٩ ص ١٤٩.