قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ؛} أي إنّ الذين أحرقوا وعذبوا المؤمنين، {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا؛} من ذلك، {فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ؛} في الآخرة، {وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ}(١٠)؛الذي أصابهم في الدّنيا، يقال: فتنت الشيء إذا أحرقته، ومنه قوله تعالى:{يَوْمَ هُمْ عَلَى النّارِ يُفْتَنُونَ}(١).وقيل: أراد بالفتنة الامتحان، وهو قولهم للمؤمنين: إن رجعتم عن الإيمان وإلاّ قذفناكم في النار، وهذا هو الإكراه، وهو من أعظم الفتن في باب الدّين.
وفي الآية تنبيه على أنّ هؤلاء الكفّار لو تابوا بعد الكفر والقتل لقبلت توبتهم، وفيه دليل أيضا على أنّ الأولى بالمكره على الكفر أن يصبر على ما خوّف به، وإن أظهر كلمة الكفر كالرّخصة له في ذلك، ولو صبر حتى قتل كان أعظم لأجره، لأنه تعالى أثنى على الذين قتلوا في الأخدود، وبيّن أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار.
قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}(١١).
قوله تعالى:{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}(١٢)؛ابتداء كلام من الله، ويقال إنّه جواب القسم المذكور في أوّل السّورة، ويقال: جواب القسم محذوف؛ تقديره:
والسّماء ذات البروج لتبعثنّ يوم القيامة ولتجزون على أعمالكم. والبطش في اللغة:
هو الأخذ بالعنف على سبيل القدرة والقوّة، وفيه تخويف لكلّ من أقام على الكفر.
قوله تعالى:{إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ}(١٣)؛أي يخلق الخلق أوّلا من النّطفة ويعيدهم بعد الموت خلقا جديدا،
{وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}(١٤)؛أي هو كثير التّجاوز والسّتر على عباده، كثير المحبّة للمؤمنين بإحسانه عليهم.
وقوله تعالى:
{ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}(١٥)؛أي ذو التّشريف. والمجيد في اللغة: هو العظيم الكريم لما يكون فيه من الخير، قرأ حمزة والكسائي وخلف «(المجيد)» بالخفض نعتا للعرش، وقرأ غيرهم بالرفع.
قوله تعالى:{فَعّالٌ لِما يُرِيدُ}(١٦)؛أي يفعل ما يشاء لا يدفعه دافع، ولا يمنعه مانع.